[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
إذا صحت أرقام أوردها تقرير مجموعة خبراء عن ارتفاع المديونية العالمية تكون صورة هذه الديونية قد أخذت بعدها غير المسبوق مع هامش قوي في توجيه المسارات الاقتصادية الدولية القائمة على تعظيم الفوائد، إن لم نقل تحول تلك الفوائد إلى ريع عام، لن يخضع للتذبذب والهبوط وبالتالي تكون له أفضلية على الريع المتأتي من مبيعات النفط والغاز والمواد الأولية الأخرى.
لقد جاء في التقرير المشار إليه أن المديونية ارتفعت بواقع (57) ألف مليار دولار بين عامي 2007 و2014 لتلامس (200) ألف مليار دولار، ويذهب التقرير إلى استنتاجات تفيد بضرورة التعايش بمعنى التكيف مع ثقل الديون من دون أن يقدم وصفة معينة لآليات ذلك التكيف وكأنه أراد أن يضع أمام الدول المستدينة الخيارات التي تجدها مناسبة بغض النظر أن يؤدي ذلك إلى تورطها في دوامة الديون المتجددة أو أن تكون قادرة على الإيفاء بالتزامات التسديد والإفلات من ثقلها.
على أي حال، الرأي الصحيح أنه ليس كل الديون ذات تأثيرات سلبية، فأغلبها ذات ضرورة تنموية استثمارية لا بد منها إذا ارتبطت بمواعيد تسديد مريحة، وأن تكون ذات فوائد معقولة، وبذلك فإن توظيفها ضمن مجالات إنتاجية من شأنه أن يحقق جملة من الإيجابيات، فهي تؤدي إلى استقطاب المزيد من الأيدي العاملة، وبذلك تقلل من معدلات البطالة، وهي أيضًا تضع الجهات المستدينة أمام حالات متنوعة من التشغيل الاقتصادي المتصاعد، وتلك عملية غاية في الأهمية لبلدان تتطلع أن تكون في الركب الاقتصادي، بل ربما من شأن ذلك أن يحقق لها بعض الاكتفاء الذاتي إذا استثمرت الديون في المجالات التي تلبي الحاجات الأساسية للمجتمعات، وهكذا تتحول العلاقة بين الجهات الدائنة والجهات المستدينة إلى نوع من الشراكة الاقتصادية، الوضع الذي يفتح مجالات واسعة للتعاون، أما متى تتحول الديون إلى وبالٍ على مستقرضيها فهي عندما يقعون تحت طائلة عدم التسديد في المواعيد المحددة وحينها تتجدد الفوائد وتتجدد معها مواعيد التسديد، وتخضع هذه الجهات إلى ما يمكن أن نصطلح (العجز المالي المتجدد)، وهكذا تتحول اقتصادات الجهات المذكورة إلى (صنبور) مالي للتسديد فقط إن لم تقع تحت طائلة إعلان الإفلاس.
لقد مرت دول مثل البرازيل والمكسيك في الربع الأخير من القرن الماضي في حالات من هذا نوع ولم تستطع الإفلات منها إلا بعد تسويات (مؤلمة) مع الجهات الدائنة، بل إن دولًا أخرى اقتربت من هذه الحافات ليس أقلها اليونان التي تحاول حكومتها الجديدة الإفلات من سطوة ديون بعض دول الاتحاد الأوروبي وهي تسعى الآن للخروج من رداء اليورو.
الخلاصة الأخرى للديون العالمية أنها بأقنعة جميلة مغرية، بل في بعض الأحيان تتحول إلى أفخاخ للإمساك بالعديد من الاقتصادات، أما كيف تكون مجالات آمنة فالحال يحتاج إلى وجود منظومة علاقات تضامنية تضع أمام الطرفين الدائن والمستدين فرصة التواصل بمعادلات الربح المعقول.
إن منظومة من هذا النوع هو ما تحتاجه العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية، والأحرى أن هذه المنظومة من شأنها أن تكون ضمانة للطرفين مع ملاحظة أن أكثر من (800) مليار دولار من الريوع (جمع ريع) النفطية والغازية العربية ضاعت خلال العشرين سنة الماضية في متاهات استثمارية خارج الوطن العربي نتيجة المضاربات غير المحسوبة إضافة إلى عمليات نصب واحتيال لا حصر لها.
وعودة على بدء نجد أن العلاقات الاقتصادية العربية البينية ينبغي أن تقوم على مثل هذه المنظومة المحسوبة والحاسمة، وليس المراهنة خارج الوطن العربي على أرباح محتملة فحسب، ثم لماذا لا تكون القروض بين الدول العربية بصيغة (الوديعة) مع هامش ربح بسيط.