[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
المناخ الدولي بشكلٍ عام يميل نحو التعاطف مع الفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى، وتحديدًا من قبل دول الاتحاد الأوروبي التي تحاول الخروج من عنق الكماشة الأميركية من حينٍ لآخر. فعملية الانفتاح الدولي على فلسطين، بما في ذلك سلسلة الاعترافات الأوروبية، بالدولة الفلسطينية واتساع حركة المقاطعة السياسية والاقتصادية والأكاديمية للمؤسسات والمستعمرات "الإسرائيلية"، تُشكّل دليلًا على تطور الموقف الدولي على مستوياته الرسمية والشعبية، بشكلٍ عام لصالح الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، بالرغم من انشغال العالم بأزمات جديدة باتت تحظى بالأولية على جدول أعمال مُختلف الأطراف الإقليمية، ومؤسسات المجتمع الدولي.
الحالة الإيجابية العامة، تَظهَر الآن بشكلٍ واضح من خلال سلسلة المواقف التي أطلقتها بعض البرلمانات الأوروبية بشأن إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتزايد مستويات التأفف الأوروبي الغربي من سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، واتساع دعوات المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستعمرات "الإسرائيلية"، وهي دعوات تُطلقها بشكلٍ متواتر مجموعات مؤثرة من مؤسسات المجتمع المدني، ومن الجهات المتضامنة مع الفلسطينيين في عموم دول الاتحاد الأوروبي.
إن تلك التحولات الجارية، تكتسي أهمية، لكنها تتطلب على المستوى الفلسطيني والعربي بناء حركة دبلوماسية وسياسية نشطة، لتثمير هذا التطور الإيجابي بشكلٍ فعّال، بما في ذلك الإسراع بدفع التوجه الفلسطيني لتنسيب دولة فلسطين إلى المنظمات والوكالات والاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ومنها محكمة الجنايات الدولية، حيث تحاول "إسرائيل" لجم هذا التوجه الفلسطيني وفرملته بالتعاون مع الإدارة الأميركية بذريعة رفض استباق نتائج المفاوضات، وضرورة إعادة مسار العملية التفاوضية المتوقفة بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" إلى سكتها بعد توقفٍ طال واستطال، ويَرشَحُ أنه سيطول أيضًا.
وبعيدًا عن نتائج التصويت الأخير في مجلس الأمن، فإن موقف الأسرة الدولية الداعم للفلسطينيين، والمُفترق عن الموقف الأميركي المُنحاز، تجلى بالتصويت الذي تم يوم التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2014 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين صوتت الدول الأعضاء بالجمعية العامة بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قرار يُقرّ "السيادة الدائمة للشعب العربي الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان العربي السوري المحتل". كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبتوافق الآراء قرارا بعنوان "تقديم المساعدة إلى الشعب الفلسطيني"، الذي يحث الدول الأعضاء والمؤسسات المالية الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية والدولية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الإقليمية على تقديم، وبأقصى ما يمكن من السرعة والسخاء، مساعدة اقتصادية واجتماعية إلى الشعب الفلسطيني، بالتعاون الوثيق مع منظمة التحرير الفلسطينية وعن طريق المؤسسات الفلسطينية الرسمية، كما يحث اﻟﻤﺠتمع الدولي الدول المانحة على تقديم وبأسرع ما يمكن مساعدة اقتصادية ومساعدة إنسانية عاجلتين للشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، لتجاوز الأزمة الحالية.
اللافت للانتباه هنا، وباستثناء كندا ووزنها، أن دول وجمهوريات الموز الواقعة تحت العباءة الأميركية صوتت ضد القرار أو امتنعت عن التصويت عليه. فقد صوّتَ إلى جانب القرار (165) دولة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما عارضته ستة دول "إسرائيل، والولايات المتحدة، وكندا، وبالاو، وميكرونيزيا، وجزر المارشال"، وامتنعت تسع دول عن التصويت هي "أستراليا، والكاميرون، وهندوراس، وكيريباتي، وملاوي، وبنما، وبابوا غينيا الجديدة، وباراجواي، وتونجا". والتصويتات السابقة باتت مُعتادة حين تتصدر تلك الجمهوريات الصغيرة المُتناثرة في معظمها في أعماق المحيطات كالمحيط الهادي مجموعة الدول الرافضة أو الممتنعة. فإلى متى ستبقى هذه الدول الضائعة على الخريطة، حصان طروادة تحت العباءة الأميركية داخل مؤسسات الأمم المتحدة..؟
إن التحول الإيجابي العام في المزاج الدولي على مستوى الشعوب، وعلى المستويات الرسمية في العالم بالنسبة للقضية الفلسطينية، ودعوات الاعترافات البرلمانية السويدية والبريطانية والفرنسية والإسبانية وغيرها بالدولة الفلسطينية، والتي قوبلت بترحيب كبير مُبالغ به من قبل بعض الأطراف الفلسطينية والعربية على أنها فَتحٌ عظيم، هي في جوهرها خطوات جيدة وإيجابية، لكنها ما زالت ناقصة جدًّا، ما دامت تراوح عند الحدود الإعلامية اللفظية الدعاوية فقط، وتكاد عندها تُصبح مُجرد فرقعة سياسية إعلامية لا أكثر ولا أقل، أو كالحمل الكاذب الذي سرعان ما يتم اكتشاف أمره، ويعيد أصحابه إلى الواقع الذي أرادوا أن يصدقوه كأنه حلم يقظة.
ففي الوقت الذي ما زالت تتوالى فيه الدعوات الإعلامية والاعترافات البرلمانية الأوروبية بالدولة الفلسطينية المستقلة، تتواصل أعمال الاستيطان والتهويد، وتتواصل معها الضغوط المالية الأوروبية على السلطة الفلسطينية، وعودة الحديث وبقوة عن الخيار الأميركي الداعي لاستئناف المفاوضات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي"، بالآليات والشروط والاشتراطات نفسها، دون أن تتوفر أية ضمانة بتجاوز الشروط والعقبات والآليات السابقة التي كانت قد وضعتها الإدارة الأميركية، والتي أدت بالنتيجة العملية إلى إفشال المفاوضات، وقد باتت تلك المفاوضات المتوقفة أصلًا تُشكِّلُ غطاءً سياسيًّا للجانب "الإسرائيلي" لمواصلة مشاريعه الاستيطانية وتوسيعها، وتهويد القدس وأسرلتها، وعزل الأغوار بين فلسطين والأردن وخنقها، وخلق وقائع ميدانية من شأنها أن تغلق تمامًا الطريق أمام إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على كامل الأرض المحتلة عام 1967 بما في ذلك قطاع غزة.
إن الدعوات الإعلامية الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية القادمة، تنقصها المواقف الشجاعة العملية الإضافية، للانتقال بتلك المواقف من حيز الإعلام إلى حيز الواقع الملموس، والتي تفترض بتلك الدول أن تُعلي صوتها أكثر فأكثر، وأن تتجاوب مع دعوات شعوب دول الاتحاد الأوروبي، التي بدأت منذ فتراتٍ طويلة تتحس وتتلمس مدى الظلم الفادح الذي ما زال يحيق بالشعب العربي الفلسطيني منذ نكبته الكبرى عام 1948. وعليه فإن الحركة السياسية الفلسطينية والعربية يفترض بها أن تصب باتجاه تثمير المواقف الدولية الإيجابية وتطويرها.