بالنسبة لكل الأوامر الصينية المشددة حيال اليابان لتتذكر تاريخها العسكري، يظهر عدوانها الأخرق في جنوب شرق آسيا أن عليها أن تستخدم نفس المنهج التذكيري.
ولعل وصول حفار نفط صيني إلى مياه تتنازع ملكيتها بينها وبين فيتنام العام الماضي هو خير شاهد على ذلك. فقد انطلقت المظاهرات في فيتنام ضد التنمر الصيني لتتحول إلى سلسلة من الهجمات من قبل فيتناميين على شركات أجنبية أكثرها يديرها تايوانيون مع عمال صينيين وقد أسفر ذلك عن وقوع قتلى وإصابات.
ويجب على الصين دون كل البلدان أن تدرك جيدا أنه في العقود التي سبقت الحرب العالمية الثانية، فإنها عانت من توغلات إقليمية وعمليات نهب اقتصادية من قبل اليابان. وقد أثار ذلك بدوره احتجاجات شعبية واسعة ومقاطعات اقتصادية.
وجاء أحد أقسى ردود الأفعال بعد إعلان اليابان مطالبها الـ21 في يناير1915. واستغلالا لوضعها على أنها واحدة من قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي مكنها من الاستيلاء على حيازات الأراضي الخاصة بألمانيا في شبه جزيرة شاندونج الصينية، أرغمت اليابان الصين على منحها سيطرة فعلية على أجزاء من الأراضي الصينية والسكة الحديد غير المحصنة وامتيازات تعدين. وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية سعت إلى تجنب الحرب، إلا أن الشعب الصيني رد بالمظاهرات والإضرابات والمقاطعات. وكما كتب المؤرخ اود ارن ويستاد "صارت المطالب الـ21 نقطة تحول في العلاقات الصينية ـ اليابانية. بالنسبة لكثير من الصينيين كانت تمثل رمزا لليابان العدوانية التي باتت التهديد الرئيسي لاستقلال الصين."
ولعل الأكثر إزعاجا لكثير من الصينيين كان تصديق معاهدة فرساي على سيطرة اليابان على شبه جزيرة شاندونج عام 1919. فلم يثر ذلك فقط مزيدا من الاحتجاجات والمقاطعة الوطنية الكبيرة، بل أيضا أدى إلى ميلاد حركة الرابع من مايو، وهي المحاولة الأكبر من قبل الطلبة والمفكرين والمسؤولين الحكوميين الصينيين الساخطين لخلق إجماع وطني جديد. وجاء في أحد بيانات الطلبة في ذلك الوقت "قد يتم غزو الأراضي الصينية لكن لا يمكن التخلي عنها." وبات الخوف من اليابان إحدى أقوى القوى المنشطة للنزعة الوطنية الصينية، على الرغم من أن العلاقات التجارية والاستثمار بين اليابان والصين ومع البلدان الأخرى في آسيا كانت تنمو.
ثمة تشابهات تاريخية أخرى بين سلوك اليابان قبل الحرب واتجاه الصين حيال نزاعاتها الإقليمية مع خمسة من جيرانها في جنوب شرق آسيا. وأقصى شيء في المطالبة المتهورة الشائنة للصين بكل بحر الصين الجنوبي الآن هي تذكار بمطالب اليابان الـ21 المبالغ فيها. وإصرار الصين على مفاوضات ثنائية على الأراضي، حيث يعطيها الحجم ميزة كبرى، يعكس محاولات اليابان لعزل الصين دبلوماسيا.
على غرار المفكرين في يابان ما قبل الحرب الذين لهم نسختهم الخاصة من مبدأ مونرو الآسيوي، فإن الاستراتيجيين في صين القرن الـ21 يأملون في إزاحة القوات البحرية الأميركية من المحيط الهادي. ويردد العداء في التعليقات العامة في الصين بشأن النزاعات الإقليمية نغمة تصريحات اليابان الاستعمارية بشأن عدم رغبة الصين في منح اليابان موقعها في الشمس ـ حتى وإن كان الصينيون أقل طنطنة في ذلك.
بينما كانت اليابان تصف نفسها بأنها بلد حديث ومؤهل بشكل خاص لأن يلعب وفقا للقواعد الغربية للهيمنة على آسيا، فإن زعماء الصين أكثر ميلا للمجادلة، كما فعل وزير خارجيتهم مع قرنائه في جنوب شرق آسيا في عام 2010 حينما قال "الصين بلد كبير والآخرون بلدان صغيرة وتلك هي الحقيقة."
ومن المرجح أن تكون نتيجة تلك المواقف هي نفسها أيضا: انفجار النزعة القومية في البلدان التي تسعى الصين إلى تخويفها، والتي يمكن أن تزيد بدورها مخاطر سوء التقدير والأعمال العدائية.
في بيان موجز لوزارة الخارجية الصينية في اليوم التالي على أعمال العنف في فيتنام التي تفجرت العام الماضي، وبخت المتحدثة باسم الخارجية الصينية فيتنام لعدم قيامها بما فيه الكفاية لوقف الفوضى. وبدون صعوبات تذكر، تحولت بعد ذلك إلى موضوع السياسة الخارجية المتشددة لرئيس الوزارء الياباني شينزو آبي، حاضة اليابان على أن تواجه بجدية وتفكر مليا في تاريخها، وأن تحترم الشرعية والهواجس الأمنية المعقولة للبلدان الإقليمية، وأن تتبع مسار التنمية السلمية، وتلعب دورا بناء في حفظ السلام والاستقرار الإقليميين. الحكمة التاريخية تبدأ في الداخل سيادة الرئيس شي جين بينج.

جيمس جيبني
كاتب الافتتاحيات الخاصة بالشؤون الدولية في بلومبيرج فيو.
خدمة واشنطن بوست – بلومبيرج نيوز خاص بـ"الوطن"