قال الله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) (الإسراء) معاني الكلمات:(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) : ولا تكن بخيلًا ممسكًا للمال، (ولا تبسطها كل البسط): ولا تكن مبذّرًا ومسرفًا، (ملومًا): معذولًا بسبب فعله شيئًا قبيحًا في الشرع، (محسورًا): مغمومًا على ما فاته من الخير، منقطعًا عن المال الذي كان عنده حيث فقده.
التفسير الإجمالي: إن ركيزة الإنفاق تكمن في الاقتصاد فيه بقدر الإمكان، وبه يستقيم الفرد ثم المجتمع ثم الأمة ثم باقي الأمم، فالآية القرآنية تصوّر لنا قبح البخل والتقتير بصورة فنية رائعة وهي غل اليد إلى العنق ويا لها من هيئة قبيح جدة عندما نراه بالإنسان، وعلى النقيض تصور لنا الآية قبح الإنفاق، بصورة فنية رائعة وهي بسط اليد حتى لا يكاد كفها، وهي هيئة قبيحة جداً إذا رأيناها بالإنسان، بل الصورتان تخبراننا عن مرض نفسي مشؤوم، كما تنبآننا عن عواقب أمراض جسدية في اليد.
أما عواقبهما النفسية يصوره الله سبحانه وتعالى بقوله:(فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)، نعم ستصبح إذا بخلت ملوماً من الله سبحانه وتعالى أولًا لأنك خالفت أمره، ومن الناس ثانيًا أنه فعلت القبيح عندهم، وربما يؤدي إلى بخس حقوقهم، ومن نفسك ثالثًا حيث تندم بسبب البخل، إذا فقرت واحتجت، وإلى جانب اللوم يكون صاحب المال لم يعد ذا مال حيث ذهب ما عنده، فأصبح فقيرًا.
أما في أدب (منع الاعتداء في القتال) فقد قال الله تعالى:(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة ـ 190).
معاني الكلمات:(ولا تعتدوا): لا تتجاوزوا الحد المسموح به شرعًا. التفسير الإجمالي: لمّا كانت الآية السابقة تتكلم عن الحج ومواقيته، عقبتها هذه اية لتشرع أدباً خاصاً بالحج إلى بلد الله الحرام، وشهر الله الحرام، فشرّعت قتال مَن اعتدى علينا أولًا، لإعزاز دين الله، وإن كان في البلد الحرام والشهر الحرام، على أن يكون القتال لا يتجاوز حدود التشريع التي منها منع الاعتداء، ويكون القتال فقط للدفاع عن النفس.
حيث إن في الآية، يؤدبنا سبحانه بأدب عدم الابتداء بالقتال لإعدائنا، وبعدم قتل العزل مثل الشيوخ والأطفال والنساء، والرهبان، وبالمعاهدين المسالمين، وكل من لم يحمل علينا سلاحاً، وبعدم التمثيل، والغدر، وعدم قطع الأشجار ولا قتل الحيوان، فجميع هذه اعتداءات، والاعتداء لا يحبه الله سبحانه وتعالى بل يعاقب عليه. ويقال: إن هذه الآية منسوخة بآية السيف، حيث لا أمان للمشركين أبداً إن كانوا من العرب، أو بالآية التي تليها.

علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني