مقدمة:
يعتقد مايكل كلير مؤلف كتاب " حروب مصادر الثروة " "أن إفريقيا ستكون هي الهدف، وستكون مسرحًا للحروب القادمة بين القوى المتصارعة".
ويرى بعض المراقبين ان ما يحصل في أفريقيا سيسهم بخلق الكثير من المخاوف بخصوص مستقبل هذه القارة، التي كانت وما زالت هدفا لأطماع الكثيرين، ويؤكد هذه المخاوف زيادة الوجود الأجنبي والنزاعات والحروب الأهلية التي تعصف بالقارة السمراء.
ــــــــــــــ
تحتل إفريقيا اليوم مركز الصدارة في اهتمامات العديد من الدول العظمى، لما تتمتع به القارة من سوق استهلاكي كبير جدا، هذا بالإضافة الى وموقعها الاستراتيجي المهم ووفرة الموارد والثروات والكنوز المختلفة ومنها تأمين البترول الذي يعتبر اكبر هاجس للدول الكبرى. ويرى الكثير من المحللين الاستراتيجيين أن الحروب العالمية في شتى المجالات تتجه نحو القارة الإفريقية في المستقبل، فأينما تتواجد الثروات تتواجد الأزمات والصراعات سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وعلى المستوى العالمي، فبعد عقود من الأداء الضعيف اقتصاديا وتنمويا تزهو افريقيا الآن بأنها تضم بعضا من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم، لكن في الوقت ذاته تعاني من صراعات سياسية ومعارك اقتصادية حامية الوطيس، كالانقلابات العسكرية وانعدام الأمن وانتشار الفوضى والفساد، فضلا عن اتساع نفوذ القاعدة في القارة السمراء وغيرها الكثير من الأزمات الأخرى، في حين تحرص الدول الأقوى عالميا على استغلال الموارد الأولية الطبيعة الضخمة في تلك القارة، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والصين وأوربا.
وبالحديث عن ما يجري حاليا في افريقيا كان توجيه الاهتمام العالمي نحو بوكو حرام إثر اختطافها التلميذات في إبريل 2014 المحفز لإعادة تأطير الجماعة كتهديد إقليمي، وليس مجرد مشكلة نيجيرية خاصة. في عام 2013، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا بوكو حرام جماعة إرهابية، ولكن الأحداث الأخيرة فقط وضغط الرأي العام الشعبي هي التي أجبرت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، وغيرها من أعضاء المجتمع الدولي، على التعاطي بشكل بنَّاء مع التهديد الذي تشكّله بوكو حرام. في شهر مايو عام 2014، بعد شهر من اختطاف الفتيات، وبعد عشرة أيام من بلوغ القصة ذروتها أخيرًا على المستوى الدولي، انعقدت قمة خاصة حول بوكو حرام في باريس. إن استجابة باراك أوباما للأزمة النيجيرية يمكن ربطها بقراره إرسال 100 من الخبراء العسكريين إلى أوغندا بعد حملة كوني 2012. وفي عام 2014 قررت الولايات المتحدة، إرسال 150 جنديًا إضافيًا للبحث عن زعيم جيش الرب للمقاومة جوزيف كوني زعيم الحرب. قد يمثل إرسال فريق صغير تحولاً في طبيعة العمليات الأميركية في أجزاء كثيرة من القارة. وهذه الطريقة هي الأسهل، والأقل تعقيدًا، وكذلك "الطريقة الأقل تكلفة لإظهار العزيمة في قضية شعبية". وعلاوة على ذلك، فإنها أقل إبهامًا من محاولة إدارة بوش إنشاء أفريكوم في القارة. ففي عام 2006، حاولت الولايات المتحدة إنشاء قيادة إفريقية عُرفت باسم أفريكوم؛ ففشلت الإدارة الأميركية في الحصول على بلد إفريقي واحد على استعداد لاستضافة المقر. في ذلك الوقت، كانت نيجيريا من بين حفنة من البلدان الإفريقية، بما فيها جنوب إفريقيا، التي أعربت عن قلقها إزاء إنشاء أفريكوم. ثم كان القلق أن الدولة المضيفة لأفريكوم لن تتحول فقط إلى هدف لأولئك الذين يحملون المشاعر المعادية للولايات المتحدة فحسب، بل إن العملية نفسها في نهاية المطاف تؤدي لتقويض سيادة البلد المضيف.
يقول دان غلاسبروك: إن العديد من الإخفاقات الحالية، بما في ذلك الحروب الأهلية والصراعات الصغيرة في القارة الإفريقية غالبًا ما تكون نتيجة لتدخل أجنبي. ويَرى أن غالبًا ما يكون نفس الغرباء هم الذين يكونون بعد ذلك على استعداد لتقديم المساعدة أو الدعم ضد الجهات ذاتها التي كثيرًا ما ساعدوا على إيجادها. ويُطلَق على هذا عبارة "مضرب الحماية". مع استمرار العنف في شمال نيجيريا بلا هوادة، كان هناك لغط يدور حول بدء التدخل العسكري على نطاق واسع في البلاد، تحت ستار حماية المدنيين. ومنذ أن وقّعت الدول على اتفاقية مسؤولية الحماية (R2P)، في الأمم المتحدة في عام 2005، جرت تدخلات في دارفور، وليبيا وساحل العاج واليمن وجنوب السودان ومالي على مدى العقد الماضي. السؤال الكبير هل أن التدخل الغربي سيقضي على بوكو حرام ام أنه سيخلق المزيد من ( البوكوحرامات ) كما حدث في الصومال وأفغانستان والعراق وغيرها؟
التنافس الصيني ـ الأميركي:
تحركت الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة لتعزيز نشاطها في أفريقيا بهدف التصدي لانتقادات بتقصيرها في بناء روابط تجارية مع هذه القارة في وقت تتنامي فيه المنافسة الصينية. تضم أفريقيا حاليا بعضا من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، وهو ما جعلها هدفا للتسابق الاستثماري بين العديد من الاقتصادات الكبرى على رأسها الصين والولايات المتحدة الاميركية.
وقعت الصين مع قادة دول بشرق افريقيا رسميا اتفاقات لمد خط سكك حديدية يتكلف مليارات الدولارات يربط بين ميناء مومباسا والعاصمة الكينية ويمتد لدول مجاورة. وجرى توقيع الاتفاقات في نيروبي المحطة الأخيرة في جولة رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ في افريقيا في مايو الماضي رغم أن الرئيس الكيني اوهورو كينياتا وقع على الاتفاق بالفعل خلال زيارة رسمية لبكين في العام الذي سبقه. وقال كينياتا في مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء الصين وزعماء افارقة "ستنخفض تكلفة سفر الركاب ونقل البضائع .. عبر حدودنا انخفاضا حادا."
ويكمل الخط الجديد خطا قديما ابطأ ينتهي في اوغندا بينما صمم الخط الجديد ليصل إلى رواندا وجنوب السودان في اطار مساعي خفض تكلفة التجارة بين دول شرق افريقيا والتي تعتمد على طرق سيئة والخط القديم الذي شيد في القرن التاسع عشر. وسبق أن اعلن كينياتا أن خط السكك الحديدية الجديد سيخفض تكلفة الشحن إلى ثمانية سنتات للطن/كيلومتر من 20 سنتا حاليا. كما يقلص الخط زمن الرحلات.
ومن المقرر ان يبدأ مد الخط من مومباسا إلى نيروبي وطوله 609 كيلومترات في الأول من اكتوبر ويستكمل في مارس 2018. واختيرت الشركة الصينية للطرق والكباري لمد القطاع الأول من الخط في كينيا رغم انتقادات واسعة لترسية الأعمال دون منافسة. وقال مسؤولون كينيون إن الأعمال لن تطرح في عطاءات وفقا لشروط التمويل الصيني ولكن بعض المشرعين يقولون إن قيمة الصفقة مبالغ فيها.
وفي السابق قدر المسؤولون تكلفة الخط الذي يمتد من مومباسا إلى الحدود الغربية لكينيا مع اوغندا عند 447.5 مليار شلن (خمسة مليارات دولار) بما في ذلك تكلفة التمويل. وكسبت الصين اصدقاء في افريقيا من خلال بناء مشروعات بنية تحتية في انحاء القارة ولكن منتقدين يشتكون من أنها تعتمد على عمالة صينية في الغالب وأن اهتمامها باستنزاف المواد الخام الافريقية يفوق نقل الخبرات للقارة.
وذكرت الرئاسة الكينية في بيان أن الخط من نيروبي-مومباسا سيتكلف 3.6 مليار دولار وتغطي الصين 90 بالمئة من التمويل اللازم وتتحمل كينيا العشرة بالمئة المتبقية. وقالت كينيا في وقت سابق أن الصين ستمنحها قرضا تجاريا بقيمة 1.6 مليار دولار وتسهيلا ميسرا بقيمة 1.63 مليار دولار للمساهمة في تمويل ذلك القطاع من الخط.
وفي زيارته لبكبن في يوليو 2013 وقع رئيس سيراليون ارنست كوروما عقودا بقيمة ثمانية مليارات دولار لبناء مطار دولي جديد وخط للسكة الحديد ومشاريع انشائية كبيرة اخرى. وقال كوروما، ان العقود تشكل 1,7 مليار دولار مع شركة كينغو اينرجي غروب لبناء مرفأ ومنجم ومحطة لتوليد الكهرباء ومد سكة حديد بطول 250 كلم. واضاف انه ابرم عقدا بقيمة 300 مليون دولار مع الشركة الصينية الدولية للقطارات لبناء مطار دولي جديد على بعد 60 كلم عن العاصمة فريتاون.
ويقع المطار الدولي الوحيد في سيراليون في لونغي شمال فريتاون، في موقع كان قاعدة جوية بريطانية خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية ثم تم تحويله الى مطار تجاري. وكان على القادمين الاختيار بين قطع طريق بري في رحلة تستغرق اربع ساعات الى العاصمة او ان يستقلوا عبارة لقطع نهر يفصل بين المطار وفريتاون. وكان يتم نقل المسافرين بمروحيات، لكن ذلك توقف في 2011 بعد اربع سنوات على تحطم واحتراق مروحية في حادث اودى بحياة 22 شخصا بينهم وزير الرياضة التوغولي. وقال كوروما "انني سعيد لان الصينيين قطعوا تعهدات قوية لدعمنا في برامجنا الانمائية". واضاف ان البلدين "تعهدا زيادة التعاون والدعم المتبادل لتحقيق التطلعات المشتركة الى السلام والتنمية واصلاح الامم المتحدة". وسيراليون واحدة من افقر دول العالم بعد الحرب الاهلية التي استمرت احد عشر عاما وانتهت في 2002. لكن ثرواتها المعدنية التي تشمل الماس والذهب والبوكسيت والتيتانيوم والحديد، جذبت استثمارات كبيرة. وسيكون خط الحديد الذي يربط بين منطقة تونكوليلي الغنية بالمعادن شمال البلاد ومدينة سوليما الساحلية في الجنوب، الثاني الذي تموله الصين.
وفي هذا الشأن عقدت واشنطن قمة افريقية في اغسطس الماضي لتحسين صورتها الافريقية و ربما لوقف الزحف الصيني . قال مسؤولون إن الولايات المتحدة اعلنت عن صفقات بنحو مليار دولار وزيادة التمويل لعمليات حفظ السلام ورصد مليارات الدولارات للتوسع في برامج توصيل الغذاء والكهرباء بافريقيا. وقال مسؤولون أميركيون إن القمة ستسلط الضوء على مدى اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة التي تزخر بالكثير من الموارد البشرية و الطبيعية وذلك عن طريق سلسلة من اتفاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز التجارة والاستثمار.
ويشير تفشي فيروس إيبولا المميت في ليبيريا وغينيا وسيراليون إلى الحاجات التنموية الضخمة في بعض البلدان الأشد فقرا بالمنطقة رغم النمو الاقتصادي السريع والاستثمار. وهون مسؤولو اميركيون حينها من الأسئلة عن ما إذا كانت القمة رد فعل على الحضور المتنامي للصين في المنطقة مشددين على أن المصالح الأميركية تتجاوز النفط والمعادن الافريقية التي ينصب اهتمام الصين عليها.
قال راجيف شاه مدير وكالة التنمية الدولية الأميركية أن لدينا طموحات كبيرة نحن وشركاؤنا الأفارقة والقطاع الخاص في مجالات الزراعة والغذاء والكهرباء والطاقة وسنثبت ذلك ، وأضاف سيكون هناك دعم جديد لبرنامج "باور أفريكا" الممول من القطاع الخاص والذي أطلقه الرئيس الأميركي باراك أوباما في العام 2013 بكلفة تصل الى سبعة مليارات دولار لزيادة قدرة توليد الكهرباء عشرة آلاف ميجاوات وإنارة عشرين مليون منزل في أنحاء افريقيا بحلول 2018. وقالت تقارير أن المشروع لم يحقق المراد ، الا أن شاه يؤكد إن البرنامج حقق الهدف بالفعل بعد عام واحد فقط. قال إنه في حين تعهدت الشركات بسبعة مليارات دولار للبرنامج فإن الفترة القادمة ستشهد استثمارات جديدة "بعدة مليارات من الدولارات". وبحسب مسؤولين في البنك الدولي من المتوقع أن تسهم المؤسسة مساهمة كبيرة في البرنامج. ومن المرجح أيضا توسيع نطاق البرنامج الذي يقتصر حاليا على إثيوبيا وكينيا وغانا وليبيريا ونيجيريا وتنزانيا.
وقال مسؤولون تنمويون أميركيون إن دعم القطاع الخاص لبرامج الأغذية والزراعة الأمريكية في افريقيا - بما فيها برنامج "التحالف الجديد للأمن الغذائي والتغذية" - سيزيد زيادة كبيرة. وكان البرنامج دشن في 2012 بهدف جمع الحكومات الافريقية والقطاع الخاص والمانحين للعمل سويا لتعزيز الاستثمار في الإنتاج الزراعي بعد أزمة أسعار الغذاء في 2008 و2009 التي أوقدت شرارة اضطرابات في الدول النامية. وقال مسؤول إن من المتوقع أن يعزز إعلان بمليارات الدولارات من جانب شركة مشروبات أميركية ضخمة مبيعات المزارعين الأفارقة لكنه رفض الإدلاء بتفاصيل. قال اوباما مع انتهاء القمة التي جمعته بقادة افارقة وممثلين عن 50 دولة ان تعزيز امن افريقيا سيساهم في تقوية انجازاتها الاقتصادية. وأعلن الرئيس الأميركي باراك اوباما ان الولايات المتحدة ستزيد مساعداتها للجيوش الافريقية التي تحارب التطرف الاسلامي او تقوم بمهمات خطيرة لحفظ السلام، لكن اوباما اكد ان القارة يجب ان تضاعف جهود الاصلاح من اجل تقوية النمو. واعتبر انه على الدول الافريقية ان تكافح الفساد وتحسن حقوق الانسان وخاصة حقوق النساء وتعزز حكم القانون.
وقال اوباما ان "القمة تعكس الواقع بانه رغم ان الدول الافريقية لا تزال تواجه تحديات، الا اننا نرى انبثاق افريقيا جديدة اكثر ازدهارا". واضاف "اتفقنا على ان نمو افريقيا يعتمد بشكل اساسي على استمرار الاصلاحات في افريقيا من قبل الافارقة".
وقال اوباما "مع جمع الاستثمارات التي اعلنت والاتفاقات التي تمت ، تكون هذه القمة ساهمت في جمع حوالى 37 مليار دولار من اجل تقدم افريقيا".
وكانت الولايات المتحدة بقيت على الحياد حين تدخلت الصين واوروبا للمساهمة في النهوض الاقتصادي في افريقيا. وانتقد رجال اعمال افارقة نظراءهم الاميركيين لانهم يحتفظون بصور نمطية تخطاها الزمن عن قارة افريقية تعاني من التخلف والفساد.
صرح وزير الخزانة الاميركي جيكوب لو "مع شعوب شابة وديناميكية وقطاع خاص في اوج ازدهاره، تشكل افريقيا سوقا حيوية للمستثمرين الاجانب. لهذا السبب نحن هنا الان". واضاف لو "نريد تشجيع الاستثمارات الاميركية في افريقيا وتطوير التجارة بين افريقيا والولايات المتحدة وتحفيز انشاء الوظائف هنا وفي افريقيا". وتأمل الادارة الاميركية وعمالقة الصناعة في اقامة علاقات اقتصادية متينة مع احدى المناطق الواعدة التي تسجل اعلى نسبة نمو مقارنة مع بقية انحاء العالم، اذ ان صندوق النقد الدولي يتوقع ان يبلغ النمو 5,8% خلال 2015. وذكر لو بان افريقيا هي "المنطقة الثانية في العالم من حيث حجم النمو الاقتصادي". واوضح ان ستا من الدول العشر التي تسجل نسب النمو الاسرع في العالم في افريقيا، داعيا الشركات والدول الافريقية الى توسيع نشاطها في اسواق راس المالي الدولية. غير انه لا بد من القول ان الاتحاد الاوروبي و الصين متفوقان على اكبر قوة في العالم بفارق كبير.
وبلغت المبادلات التجارية بين افريقيا وبكين 210 مليارات دولار خلال 2013 مقابل 85 مليار دولار بين واشنطن والبلدان الافريقية. وقالها وزير الخارجية الاميركي جون كيري "اقولها بلا تعقيدات نريد وسنعمل جادين وبقوة لكي يستثمر مزيد من الشركات الاميركية في افريقيا". واضاف كيري "نريد ايضا ان يستثمر مزيد من الشركات الافريقية هنا في الولايات المتحدة، ولا يوجد سبب يمنعها من ذلك". واقر الممثل الاميركي للتجارة الخارجية مايكل فرومن "من الواضح ان افريقيا اليوم ليست افريقيا 2000". وقال امام رجال الاعمال ان "العديد منكم يعرضون عن هذا النظام الاحادي الجانب المتضمن امتيازات ويعقدون اتفاقات مع شركاء تجاريين كما فعل الاتحاد الاوروبي". لكن سيتعين ايضا الكف عن التعامل مع صورة افريقيا النمطية المقترنة بالنزاعات والامراض والفقر، كما اقرت سوزان رايس مستشارة الامن القومي في البيت الابيض.
وانتقد رجال اعمال افارقة ايضا الصور النمطية الراسخة عن افريقيا في الولايات المتحدة. وقال رجل الاعمال السوداني الاصل مو ابراهيم الذي اصبح احد اثرى الافارقة بفضل قطاع الاتصالات، ساخرا "فوجئت قليلا بكل هؤلاء الافارقة الذين التقيت بهم في الطائرة (...) القادمين الى اميركا ليقولوا لرجال اعمال محنكين هناك فرص جيدة في افريقيا". وخلص الى القول "في كل انحاء افريقيا هناك رجال اعمال صينيون وبرازيليون. لم يذهب أحد منا الى البرازيل او آسيا او الصين ليطلب منها القدوم الى افريقيا للاستثمار، بادروا من تلقاء انفسهم، وأتوا واستثمروا".
على صعيد متصل تعهدت شركات أميركية وأفريقية والبنك الدولي باستثمار أكثر من 17 مليار دولار في مشروعات للإنشاء والطاقة وتكنولوجيا المعلومات.وقال جيف إيملت الرئيس التنفيذ لجنرال إلكتريك "تركناها أولا للأوروبيين ثم للصينيين فيما بعد .. لكنها اليوم مفتوحة على مصراعيها أمامنا." وكان إيملت أعلن عن استثمار ملياري دولار لتعزيز البنية التحتية ومهارات العمال والحصول على الطاقة. ووقع أليكو دانجوت رئيس مجموعة دانجوت اتفاقا لاستثمار مشترك قدره خمسة مليارات دولار في مشروعات الطاقة في أفريقيا جنوبي الصحراء مع مجموعة بلاكستون وقال إنه لا يمكن فعل شيء دون توفر الكهرباء.
وتعهد البنك الدولي باستثمار خمسة مليارات دولار لدعم توليد الكهرباء. وتشير تقديرات البنك إلى أن واحدا من بين كل ثلاثة أفارقة أو 600 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء برغم النمو الاقتصادي السريع الذي يتوقع أن يتجاوز خمسة بالمئة في العامين 2015 و2016. ومن المتوقع أن تتجاوز القوة العاملة في أفريقيا نظيرتها في الهند أو الصين بحلول العام 2040 وتضم أسرع طبقة متوسطة نموا في العالم وهو ما يدعم الطلب على السلع الاستهلاكية. وقالت شركة كوكا كولا إنها سوف تستثمر خمسة مليارات دولار مع شركاء أفارقة في خطوط تصنيع جديدة على مدى ست سنوات وقالت جيني روميتي الرئيسة التنفيذي لشركة آي.بي.إم إن الشركة العملاقة سوف تستثمر أكثر من ملياري دولار في المنطقة على مدى سبع سنوات.
من جانب آخر حث الزعماء الأفارقة الولايات المتحدة علي تجديد برنامج يمنحهم مزايا تجارية من بينها إعفاء صادرات أفريقية من رسوم جمركية بمليارات الدولارات وتمديد العمل به لمدة 15 عاما وقالوا إنه سيعزز العلاقات التجارية ويدعم التنمية في القارة. وقال رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما إن تجديد قانون النمو والفرص الأفريقي الذي ينتهي العمل به العام المقبل (2015) من الموضوعات الرئيسية.
وقال زوما "تحظى نحو 95 بالمئة من الصادرات الأفريقية بمعاملة تفضيلية بموجب قانون النمو والفرص" ليضم صوته لأصوات المطالبين بتمديد العمل بالقانون. وتابع "نحن على ثقة تامة بأن الولايات المتحدة بإقرارها تمديد قانون النمو والفرص ستدعم التكامل والتصنيع وتطوير البنية التحتية في أفريقيا. أنا على يقين بأن الأميركيين لن يفوتوا هذه الفرصة."وتحرص الإدارة الأميركية على تمديد العمل بالبرنامج ولكن لم تنته بعد من بلورة التفاصيل الخاصة بمدة سريانه وإصلاحات محتملة مثل إضافة منتجات جديدة معفية من الرسوم. وقال وزير تجارة جنوب أفريقيا روب ديفيز إن الدول الأفريقية اقترحت توسيع نطاق المنتجات التي يغطيها البرنامج لتشمل المزيد من المنسوجات والمنتجات الزراعية لكنه لا يرى ضرورة لإجراء إصلاحات كبيرة. وأبلغ ديفيز الصحفيين "كانت رسالتنا أننا لا نرى خللا في قانون النمو والفرص الأفريقي ومن ثم لا نرى حاجة لإصلاحه." وبدأ العمل بالقانون في عام 2000 وجرى تجديده بالفعل قبل الموعد الأصلي لانتهاء العمل به في عام 2008 ليستمر سريانه حاليا حتى 30 سبتمبر 2015. وتستفيد نحو 40 دولة أفريقية من البرنامج. وبلغت قيمة الصادرات المتجهة من دول أفريقيا جنوب الصحراء إلى الولايات المتحدة - وعلى رأسها النفط - بموجب قانون النمو والفرص وامتيازات تجارية أخرى 26.8 مليار دولار في عام 2013.
من جهة أخرى وعندما قام الرئيس الأميركي باراك بأول جولة له في أفريقيا شملت زيارة عدة دول بوصفه أقوى زعيم في العالم حاول طمأنة قارة خاب أملها إلى حد كبير في (ابنها) . ولم يول أوباما -وهو أول رئيس أميركي من أصل أفريقي- اهتماما يذكر بالقارة السمراء موطن أسلاف والده الأمر الذي أدى إلى عقد مقارنات صريحة بينه وبين جورج بوش الذي أصبح بطلا في القارة بفضل جهوده في محاربة مرض الإيدز.
يشير جي. بيتر فام مدير مركز أفريقيا في مجلس الأطلسي إلى أن المساعدات الأميركية التنموية في أفريقيا جنوب الصحراء زادت بمقدار أربعة أمثال إلى 6.7 مليار دولار خلال السنوات الثماني التي أمضاها بوش في السلطة. وبقيت المساعدات كما هي في عهد أوباما مع تراجع حجم المساعدات الخارجية الإجمالية بنسبة 20 في المئة منذ أن تولى أوباما منصبه في عام 2009 . وقال جاكوب زوما رئيس جمهورية جنوب أفريقيا إن أوباما ربما لا يريد أن ينظر إليه على أنه يحابي منطقة ما في العالم بسبب أصول عائلته. وقال زوما في نادي الصحافة القومي في واشنطن "أصول أوباما أثرت على تعامله مع أفريقيا. جعلته يتحسس خطاه بحذر... اعتقد أنه كان بإمكانه عمل المزيد. لكن اعتقد أنه كان يدرك هذه النقطة ومن ثم تعامل مع ذلك الوضع بشكل جيد جدا."
وأشاد أعضاء بارزون في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما بينهم هيلاري كلينتون بمبادرات الرئيس الجمهوري بوش تجاه أفريقيا رغم الخلاف معه في معظم سياساته الأخرى. ورغم أن بوش لم يكن يتمتع بشعبية في مناطق كثيرة من العالم عندما غادر الساحة الدولية إلا أنه حظى بمكانة مرموقة في أفريقيا بفضل البرامج التي بدأها عندما كان في السلطة، خاصة خطة الطوارئ للإغاثة من الإيدز التي قدمت هذه الخطة التي أطلقت في عام 2003 مليارات الدولارات للعقاقير المضادة للفيروسات وللعلاج في أفريقيا وينسب لبوش الفضل في تقليص أعداد الوفيات جراء الإيدز هناك على نحو حاسم. وأنشأ بوش كذلك هيئة تحدي الألفية التي تساعد الدول من خلال تطوير أساليب الحكم الرشيد. وواصل أوباما العمل في المبادرتين بينما بدأ يرامج لتشجيع التجارة وتوفير الكهرباء.
قال ستيفن هادلي مستشار بوش السابق للأمن القومي " أن اوباما الذي تعرض لانتقادات كثير من الناس لأنه لم يفعل المزيد لأفريقيا يحاول في الواقع مضاعفة دوره." وحاولت إدارة أوباما تغيير الاهتمام بالتركيز على الفرص الاقتصادية في القارة. وهو نهج أكثر شبها بالنهج الذي تبناه الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون الذي تولى الحكم قبل بوش والذي صدق على قانون النمو والفرص في أفريقيا الذي ألغى القيود التجارية على أكثر من ستة آلاف منتج يصدر إلى أمريكا من أكثر من 35 دولة أفريقية. هذا التحول في جانب منه رد على الاستثمارات الصينية في القارة التي تفوقت على الولايات المتحدة في عام 2009 كأكبر شريك تجاري لأفريقيا. والزعماء الأفارقة راضون عن تحول الولايات المتحدة للتركيز على الاستثمارات. وقال الرئيس التنزاني جاكايا كيكويتي أثناء منتدى الأعمال الذي عقد في إطار القمة "نريد الانتقال من علاقة مانحي المعونة ومتلقي المعونة... إلى المستوى التالي الآن وهو مستوى الاستثمارات والتجارة. "اعتقد أننا سنحقق هذا هذه المرة."
ويعترف كثير من الناس بأن أوباما قد لا يكون عند مستوى التوقعات العالية جدا التي ثارت لدى الزعماء الأفارقة عند وصوله إلى السلطة. وكان من الصعب على أوباما أن يعطي أولوية لأفريقيا بسبب الصراعات التي واجهها بسبب هويته كأميركي من أصل أفريقي والتعامل مع حروب وأزمة اقتصادية ورثها من بوش. وقال ويتني شنايدمان وهو مستشار في الشؤون الأفريقية في كوفنجتون آند برلينج وهو مستشار سابق في حملة أوباما في انتخابات الرئاسة في عام 2008 "واجهنا أسوأ أزمة إنسانية منذ الكساد الكبير و... اعتقد أنه كان هناك كثير من القيود على قدرته على التواصل مع أفريقيا وسط الأصوات الصاخبة من اليمين المتطرف التي كانت تسأل عن مكان ميلاده." بحسب رويترز.
وأضاف "اعتقد أن (أوباما) أصبح أكثر حرية في أن يباشر بعض القضايا التي أراد حقا أن يباشرها مع استقرار الاقتصاد وإعادة انتخابه ومن الواضح أن أفريقيا كانت إحدى هذه القضايا." وإذا كان النصر لم يحالف أوباما في جبهات أخرى فقد يجد مزيدا من الوقت للتركيز على أفريقيا فيما تبقى من رئاسته وما بعدها. ووعد بزيارة كينيا قبل أن يترك منصبه وأشار إلى أنه سيكرس قدرا كبيرا من اهتمامه بعد الرئاسة لمساعدة الشبان السود في الولايات المتحدة على النجاح.
النفط والفساد :
من جانب اخر نددت منظمتان سويسريتان ومنظمة اميركية غير حكومية بعمليات بيع نفط تقوم بها الحكومات الافريقية وصفقات "غير شفافة" تمثل عشرات مليارات الدولارات. وقال مارك غينيا من منظمة "اعلان برن" وهي منظمة غير حكومية اعدت مع منظمتي "سويس ايد" و"ناتشورال ريسورس غوفرنانس انستيتيوت" "لا وجود لاي شفافية بشان وجهة الاموال المرتبطة بهذه المبيعات من النفط في حين ان مبالغها مرتفعة للغاية". وكتبت المنظمات غير الحكومية تقول انه بين 2011 و2013 تولت هذه الشركات السويسرية "جزءا يمثل 25 بالمئة من السوق يتعلق بالقسم غير الشفاف من النفط المطروح للبيع" في العالم من قبل دول جنوب الصحراء والشركات الحكومية. واضاف التقرير ان هذا الجزء من السوق يمثل 55 مليار دولار و"لا تنتهي حصيلة كل هذه المبيعات في صناديق الدول".
وفي بعض الحالات، تتحول هذه الشركات الى وضع المحتكر. وهكذا فان الشركات التجارية السويسرية تهيمن بشكل واضح على صادرات الكاميرون والغابون وغينيا الاستوائية ونيجيريا اضافة الى تشاد. ففي تشاد، اكتسبت احدى هذه الشركات، غلنكور، في 2013 ما نسبته 100 بالمئة من حصة الدولة من النفط بقيمة تعادل 16 بالمئة من الموازنة الوطنية لهذا البلد، احد اكثر الدول فقرا في الكرة الارضية.
وفي غينيا الاستوائية، ارتفعت قيمة مبيعات النفط الوطني التي قامت بها الشركات السويسرية اركاديا وغلنكور وترافيغورا وفيتول الى اكثر من 2,2 مليار دولار في 2012، وهو ما يعادل 36 بالمئة من عائدات هذه الدولة التي تعتبر بين الاكثر فسادا في العالم. واجمالي الناتج الداخلي في غينيا الاستوائية بفضل هذا النفط "يقترب من اجمالي الناتج الداخلي لاحد بلدان الاتحاد الاوروبي بينما مستوى الفقر الحقيقي فيها كارثي. هنا يطرح السؤال نفسه"، كما يقول غينيا "اين تذهب اموال النفط؟" وكتب معدو التقرير انه "قلما يتم الاهتمام بدراسة مبيعات النفط الخام من قبل الحكومات وشركاتها الوطنية عندما يتم التطرق الى حوكمة القطاع النفطي. هذا التقرير هو اول دراسة مفصلة حول هذا الموضوع". وركز معدو التقرير على 10 دول في افريقيا جنوب الصحراء تصدر النفط وهي انغولا والكاميرون والكونغو (برازافيل) وساحل العاج والغابون وغانا وغينيا الاستوائية ونيجيريا وجنوب السودان وتشاد.وقال التقرير المؤلف من ثلاثين صفحة "بين 2011 و2013، باعت حكومات هذه الدول اكثر من 2,3 مليار برميل من النفط تمثل اكثر من 250 مليار دولار، اي نحو 56 بالمئة من عائداتها العامة". واراد معدو التقرير القاء الضوء على الصفقات التي تبرمها سويسرا وشركاتها التجارية المتمركزة بتكتم تام في جنيف وزوغ او لوغانو. واشترت الشركات السويسرية بين 2011 و2013 اكثر من 500 مليون برميل من النفط تمثل ما قيمته 55 مليار دولار. وبحسب المنظمات غير الحكومية، فان مثل هذه الدفعات كانت ستجري بشفافية كبيرة بسبب حجمها الهائل. لكن "في غالبية الحالات" لم تثبت "مثل هذه الشفافية". وامام هذا الوضع، تطلب المنظمات غير الحكومية من الدول المنتجة تبني قواعد تضمن "النزاهة في اختيار الشارين وتحديد سعر المبيع". من جهة اخرى، تطلب المنظمات غير الحكومية ان تنشر الدول اسماء الشركات التي تشتري النفط الحكومي.
وطالبت سويسرا بالمزيد من الشفافية في قطاع المواد الاولية، لكن فقط بالنسبة الى الشركات التي تقوم بعمليات الاستخراج. وقد استبعدت التجارة من ذلك. وترى المنظمات غير الحكومية ان الحكومة السويسرية فضلت ان "تبقى سويسرا واحة تنظيمية للمفاوضين". وبصفتها "دولة مضيفة من الدرجة الاولى في الاتجار بالمواد الاولية على المستوى العالمي، يمكن لسويسرا ويتعين عليها ان تتحمل مسؤولياتها"، وفقا لمعدي التقرير. وخلص التقرير الى القول انه اذا استمر استثناء التجارة من الشفافية، فان "الصفقات الباهظة التي تتم بين شركات سويسرية وحكومات افريقية ستبقى سرية". وتتمركز حوالى 750 شركة تتاجر بالمواد الاولوية في سويسرا ويعمل فيها 10500 شخص، بحسب اخر الارقام المنشورة.
أفريقيا : سوق أستهلاكي كبير
في السياق ذاته تنتشر سيارات "بورش" و"رانج روفر" و"بي إم دبليو" و"مرسيدس" في شوارع أبيدجان، في دليل على اتساع سوق السيارات الفاخرة في افريقيا. وكل من هذه السيارات يكلف عند شرائه عشرات آلاف من الدولارات ، أي ما يوازي عقود من العمل في ساحل العاج حيث بات الحد الأدنى للأجور بعد رفعه بنسبة تتخطى 60 % في نوفمبر، 60 ألف فرنك إفريقي (حوالى 90 يورو). غير أن السيارات الفاخرة تنتشر في الأحياء الراقية من أبيدجان كما هي الحال في ارقى أحياء العواصم الأوروبية. والأمر سيان في جوهانسبورغ ولاغوس وليبرفيل. وفي العاصمة الغابونية، غالبا ما تتشكل طوابير من السيارات الرباعية الدفع المتعددة الاستخدامات على الجادة المزدحمة المحاذية لشاطئ البحر. وتلقى السيارات الكبيرة الرباعية الدفع إقبالا كثيفا في إفريقيا لانها تدل على الانتماء الى طبقة اجتماعية ميسورة. وفي غابون، 70 % من السيارات الجديدة الستة الاف التي تباع سنويا، هي سيارات رباعية الدفع يابانية الصنع بغالبيتها، بحسب الاتحاد الغابوني لمستوردي السيارات. وأكد أحد مستوردي السيارات أن السيارة في غابون ترمز إلى النجاح أكثر من المسكن.
وفي المقابل، لا تشكل السيارات "العالية الجودة" إلا 3 % من مبيعات السيارات الجديدة في ساحل العاج التي تشمل 8 آلاف وحدة سنويا، وفق أحد الخبراء الذي لفت إلى أن "بعض الزبائن يبحثون عن السيارات التي تلفت الانظار... وهذه السوق قد تدر أرباحا طائلة". وأوضح الخبير أن عدد السيارات الفاخرة هو أكبر بالنسبة إلى السيارات المستعملة التي يستورد منها 40 ألف سيارة في السنة الواحدة، إذ أن السيارات الجديدة تخضع لضرائب كبيرة، ما يجعل السيارات المستعملة المستوردة من أوروبا وأميركا الشمالية ودبي أرخص كلفة بكثير. وباتت أنظار مصنعي السيارات تتجه نحو القارة الإفريقية حيث شملت الطبقة الوسطى 300 مليون شخص في العام 2011، بحسب تقديرات مصرف التنمية الافريقي، وراحت الطبقة الميسورة جدا تزداد وسعا. وفتحت مجموعة "بورش" صالة عرض في حي فيكتوريا آيلاند أحد أرقى الأحياء في لاغوس، على بعد بضعة أمتار من فندق "إنتركونتيننتل" الحديث وهو أول فندق خمس نجوم يفتح أبوابه في المدينة النيجيرية. كما أن المصنع الألماني المتمركز منذ عقود في جنوب افريقيا أكد أنه شهد نموا في مبيعاته بنسبة 40 % في السنة الواحدة خلال العامين الماضيين. وهو فتح فروعا له اخيرا في أنغولا وغانا ونيجيريا، بحسب كريستر إكبرغ مدير قسم "بورش" لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وتعتزم "بورش" مواصلة نموها في القارة الإفريقية حيث باعت ألفي سيارة تقريبا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال ألاشهر التسعة الاولى من العام 2013.
وهي قد لجأت إلى مستثمرين محليين لتوسيع نشاطاتها في كاميرون وجمهورية الكونغو الديموقراطية وإثيوبيا وغابون وساحل العاج وناميبيا والسنغال وتنزانيا وزامبيا. ولفت أحد الناطقين باسم "مرسيدس" إلى أن طاقة السوق الافريقية "هائلة"، علما أن المجموعة فتحت مصنعا لتجميع القطع في جنوب افريقيا حيث تبيع سنويا 20 ألف سيارة. وتعتزم مجموعة "بي إم دبليو" التي باعت 34 ألف سيارة من سياراتها في القارة الإفريقية سنة 2012 (ازدياد بنسبة 15 % بالمقارنة مع العام 2011) توسيع نشاطاتها في المنطقة، على حد قول أحد الناطقين باسمها. وتتوقع مجموعة "اودي" بدورها نمو نشاطاتها "في بعض المناطق الافريقية"، وفق ستيفان هامبرغر مدير قسم الشرق الادنى والأوسط وافريقيا التابع للمصنع الألماني الذي تضاعفت مبيعاته في القارة الافريقية في خلال ثلاث سنوات.
أفريقيا : خزان العالم و ثروة المستقبل
لم تمض عشرة أعوام من عنْوَنة مجلة الأيكونوميست اللندنية أحد أغلفة أعدادها "قارة بلا أمل" في إشارة إلى إفريقيا، حتى عادت المجلة نفسها في عام 2011 لتضع عنوانا مغايرا تماما على غلافها: "إفريقيا الواعدة". و روى رئيس "البنك الإفريقي للتنمية" "دونالد كابوروكا" في تصريح له هذه المفارقة متسائلا:: "ترى، بعد عشرة أعوام أخرى، ماذا سيكون العنوان القادم " للمجلة نفسها؟
وفقاً لأحدث تقرير سنوي ("التوقعات الاقتصادية أفريقيا")، أصدره البنك الأفريقي للتنمية، فإن "الموارد الزراعية والطاقية والتعدينية في أفريقيا، التي لم يستغل معظمها بعد، هي مفتاح تسريع النمو الاقتصادي" للقارة. وتشير الأرقام الواردة في هذا التقرير إلى أن "سلة غذاء العالم" كما يطلق على القارة الإفريقية، تضم 60% من الأراضي الصالحة للزراعة "غير المستغلة" بعد في العالم. ويكفي استغلال 80 مليون هكتار من هذه الأراضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية لوحدها "لإطعام ملياري شخص حول العالم"، أي ما يعادل سكان قارات إفريقيا و أوروبا و أوقيانوسيا مجتمعين.
وبحلول عام 2030 ، يمكن لقطاع الزراعة والصناعات الغذائية في أفريقيا إنشاء سوق بقيمة 1000 مليار دولار، في حال استغلال أقوى لهذه الموارد المائية في الزراعة، بحسب تقرير صدر حديثا للبنك الدولي بعنوان: "نمو إفريقيا، إمكانات قطاع الصناعات الغذائية".وحتى اليوم، لا تستغل الأراضي المستزرعة في إفريقيا سوى من 2% من الموارد المائية المتجددة للقارة.
وعلاوة على حصولها على لقب "سلة غذاء العالم" تعرف القارة الأفريقية تاريخيا باسم "خزان العالم" من الثروات التعدينية في باطن الأرض، حيث تملك حوالي ثلث احتياطي الثروات المعدنية في العالم.وتستحوذ القارة الإفريقية على 89% من البلاتينن في العالم، و81% من مادة "الكروم" و 61% من "المنغنيز" و60% من "الكوبالت"، وفقاً لأرقام نشرتها مجلة "افريك إكسبانسيون" التي تصدر من باريس.
وتتوفر إفريقيا على ما يقارب خمس احتياطي العالم من الماس والذهب واليورانيوم.أما بخصوص اليورانيوم، فقد أعاد ارتفاع أسعار النفط وزيادة نسبة التلوث في العالم وما يرافقها من ضغوط متزايدة للناشطين في المجال البيئي إحياء النقاش حول تقليل الاعتماد على النفط لتوليد الطاقة، واستبدالها على وجه أخص باليورانيوم الذي يدخل في توليد الطاقة النووية. على مستوى آخر، وفي ظل وجود مليار نسمة بإفريقيا، و طبقة وسطى آخذة في التزايد، يمثل الاستهلاك في القارة السمراء رافداً آخر من روافد النمو المتوقع على المدى القريب في القارة.وتقول دراسة أجرتها مؤخرا شركة "ماكينزي" العالمية للدراسات الاقتصادية إن الطبقة الوسطى في إفريقيا تمثل حاليا أكثر من 300 مليون شخص. فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أنه مع حلول عام 2015 سيتجاوز متوسط الناتج المحلي الخام للفرد في القارة الـ 2000 دولار سنويا. وبحسب "ماكينزي" فإن هذا المستوى يمثل الخط الذي يبدأ الناس بعدها في اقتناء مواد استهلاكية تفوق ما يحتاجونه لتلبية حاجياتهم الأساسية"، وهو ما يترتب عليه تنشيط دورة الاقتصاد وضخ مزيد من الاستثمارات في القارة. وتوقعت دراسة "ماكينزي" في السياق نفسه أن يرتفع عدد الأُسر الإفريقية التي تتمتع بدخل يوفر نوعا من الرفاهية من 85 إلى 130 مليون أسرة في عام 2020.و تشير الدراسة إلى أن زيادة معدل الاستهلاك سيترتب عليه نمو قطاع المراكز التجارية التي لا تزال خارج نطاق الاستغلال في القارة السمراء.
قال باتريك ندونجيدي الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية أن قارة إفريقيا إلى جانب آسيا هي أكثر القارات توفيراً. إذ تبلغ مدخرات العملة الصعبة فيها الـ 500 مليار دولار أميركي فيما تضاعفت قيمة البورصات بها 9 مرات منذ تسعينيات القرن الماضي وانضمت إليها حتى الآن 2000 شركة". ويختم "ندونجيدي قائلاً: "رغم كل ما تعانيه من عقبات متنوعة ومظاهر متعددة من التخلف حاليا، تبقى إفريقيا قارة ذات موارد وإمكانات نمو هائلةً في وقت تستنزف فيه موارد باقي القارات..إنها مستقبل البشرية.

محمد نجيب السعد
باحث أكاديمي عراقي
[email protected]