جاءت توجيهات حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ والخاصَّة بإطلاق “البرنامج الوطني للاستدامة الـماليَّة وتطوير القِطاع المالي” لمدَّة ثلاث سنوات، والتي تبدأ مـن يـنـاير ٢٠٢٣م، خطوةً مُهمَّة تُعنى باستحداثِ مبادراتٍ ومشاريعَ تهدف إلى تطوير وتعزيز دَوْرِ القِطاع المصرفيِّ والحلول التمويليَّة، وتعزيز دَوْرِ سوقِ المال في التمويل والاستثمار، لتحقيق التكامل بَيْنَ السياساتِ الماليَّة والنقديَّة والاقتصاديَّة، حيث يُعدُّ القِطاع الماليُّ من أهمِّ الممكّنات التي يتطلَّبها النُّمو الاقتصاديُّ، فهو مطلبٌ رئيس لنُمو الاستثمارات والاقتصاد، وإحدى أهمِّ آليَّات التخطيط الماليِّ متوسط المدى لاستدامة وضْعِ الماليَّة العامَّة وتحقيقِ ميزانيَّةٍ متوازنة، وتوفير سيولة ماليَّة تُلبِّي الخطط التنمويَّة المختلفة.
ولعلَّ أهمَّ ما يميِّزُ البرنامجَ الوليد أنَّه قادرٌ على تاسيس منظومةٍ وادواتٍ ماليَّة قادرة على التاثير والتفاعل الإيجابيِّ مع المتغيِّرات والتحوُّلات على المستوى الماليِّ والاقتصاديِّ لتحقيق اصلاحاتٍ هيكليَّة تُواكب متطلَّباتِ مرحلةِ التحوُّل، كما تُسهم مِثل هذه البرامج في تعزيز الضبط الماليِّ وتطوير الماليَّة العامَّة، ما يجعل الاقتصاد الوطنيَّ قادرًا على تنفيذ خططِه وبرامجِه المتمثِّلة في رؤية “عُمان 2040” الطموحة، كما ستُعطيه زخمًا للتعاطي مع الأزماتِ والتحدِّياتِ الاقتصاديَّة العالميَّة الطارئة، عَبْرَ تقويةِ الموقف الماليِّ للبلاد، وتعزيزِ مركزِها الماليِّ للتعامل مع الصدمات الخارجيَّة، ما يحمي المقدَّرات التنمويَّة لأجيالِ المستقبَل، فهذا البرنامجُ يُعدُّ إحدى الأدوات المُهمَّة والرئيسة في تحقيقِ التنميةِ الشاملة المستدامة.
إنَّ الرهان على سياسات ماليَّة مَرِنة كان إحدى الأدوات التي اعتمدت عليها سلطنة عُمان في طريقِ تعافي الاقتصادِ الوطنيِّ من تداعياتِ الأزماتِ الاقتصاديَّة العالميَّة المتتالية الأخيرة، خصوصًا تداعياتِ كورونا(كوفيد19)، حيث كانت خطَّة التوازن الماليِّ (2020 ـ 2024) إحدى الأدوات الرئيسة التي سيطرت على الدَّيْن، وعملت على تقليلِه، وساعدت في إحداثِ فائضٍ في الموازنة، فقد وجَّه جلالته ـ أيَّده الله ـ بجانبِ سدادِ الدَّيْن، نَحْوَ عددٍ من المشاريع التنمويَّة في المحافظاتِ العُمانيَّة المختلفة، حيث نجحت خطَّة التوازن الماليِّ في السيطرة على نِسَبِ العجزِ من الناتج المحلِّيِّ الإجماليّ، وحقَّقت تقدُّمًا كبيرًا في الميزان التجاريِّ، ما كان له أثَرٌ في تقويَةِ الموقف الماليِّ للبلاد، وتعزيزِ الإيراداتِ النفطيَّة وغير النفطيَّة.
باختصارٍ، إنَّ التوجيهاتِ السَّامية من لدُن قائدِ البلاد المفدَّى والتي تتزامن مع احتفال السَّلطنة بالعيدِ الوطنيِّ الثاني والخمسين المَجيد، جاءت لِتصنعَ الفارقَ في المستقبَل، حيثُ سيعملُ البرنامجُ الوليد على تهيةِ الماليَّة العامَّة للوصولِ لمرحلةٍ مستدامة عَبْرَ البناءِ على ما تمَّ تحقيقه ورفَعَ جودة التخطيط الماليِّ وتطوير توجُّهات البرنامج للانطلاق الى مرحلةِ الاستدامة الماليَّة، ودراسةِ المتغيِّرات التي ينبغي مراعاتُها في وضْع اولويَّاتِ واليَّات التنفيذ للمرحلة القادمة، حيثُ سيكُونُ البرنامجُ الجديد خيرَ معينٍ في التركيز على وضْعِ السياسات العامَّة الدَّاعمة لتحقيقِ روية “عُمان 2040”، التي تعمل على نُموِّ الناتج المحلِّي، الذي بدَوْرِه سيعمل على إيجادِ فُرصِ العمل للمواطنين والمواطنات، وغيرها من الأهداف الاقتصاديَّة الكبرى.