من أبرز الإشكاليات والتحدِّيات التي تقف عائقا أمام اكتمال أو جاهزية أو مهنية المنظومة الأمنية الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرف في أي دولة، تحديدا عند وقوع العمليات الإرهابية هو انعدام أو ضعف الاستعداد أو التدريب المسبق أو وجود المشاريع الأمنية أو الاجتماعية والنفسية الجاهزة لتلقِّي صدمة العمليات الإرهابية، سواء كان ذلك لأفراد الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب أو الجهات المتداخلة معها مثل رجال الإسعاف والمطافئ والفئات الطبية أو أفراد المجتمع، حيث أصبح عموم الناس والمجتمعات يمثِّلون أطرافا فاعلة وشركاء في عمليات مكافحة الإرهاب.
لذا يُعدُّ إعداد الأفراد والمجتمع وبقية المؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب، على رأسها الأجهزة الأمنية والمستجيبين الأوائل بشكل مسبق وتعزيز قدراتهم الذهنية والنفسية والاجتماعية فيما يطلق عليه بالمرونة المدنية أو الدفاع الاجتماعي أو النفسي للتغلب على الآثار الناتجة عن العمليات الإرهابية، من أهم الاتجاهات والسياسات الأمنية المعاصرة فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب.
وتعرف المرونة المدنية بأنها: قدرة الأجهزة ذات الاختصاص والتداخل، بالإضافة إلى المدنيين، على التكيُّف مع التحدِّيات والضغوط الناتجة عن (الأزمات والكوارث والعمليات الإرهابية...إلخ) وتوقعها عبر الإعداد والتدريب المسبق لها. بمعنى آخر، بناء وعي وثقافة نظرية من جهة والتهيئة والإعداد الميداني والتدريبي المسبق للمدنيين والأجهزة الأمنية للتكيُّف مع آثار وتبعات العمليات الإرهابية من جهة أخرى.
على ضوء ذلك اتجهت العديد من الدول، خصوصا في أوروبا، إلى اعتماد هذا النوع من برامج الأمن المجتمعي والأمن الوقائي وتحويلها إلى برامج عمل رئيسية فيما يتعلق بمجموعة البرامج والسياسات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وذلك عبر تحديد الجهات الفاعلة المحلية التي يمكن أن تسهم في منع التطرف والإرهاب.
ضمت أو ضمنت العديد من الدول برامج المرونة المدنية إلى استراتيجياتها الأمنية الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرف، مثل ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، حيث أكدت الدراسات الأكاديمية وتقارير الحكومة الأميركية الحاجة إلى أن تصبح مكافحة التطرف العنيف والإرهاب حركةً تشمل المجتمع بأسره من أجل تنمية مرونة المجتمعات وقدرتها على ردع أي تطرف، وتحصين نفسها ضد الأيديولوجيات المتطرفة”( ) وبينما ما زالت العديد من الدول العربية تتجاهل وتهمل هذا النوع من البرامج والاستراتيجيات الخاصة بمكافحة الإرهاب، خصوصا الدول التي لم تعانِ من مثل هذا النوع من المشاكل والقضايا عملت بعض الدول العربية الأخرى على اعتماد هذا النوع من البرامج، وأخذه على محمل الجد مثل الأردن والمغرب نظرا ليقينهما إلى أهميتها الاستراتيجية.
وتكمن أهميَّة هذا النوع من البرامج والاتجاهات الخاصة بمكافحة الإرهاب في تعزيز مناعة المجتمع وتماسكه أثناء وقوع العملية الإرهابية وبعدها، بالإضافة إلى تعزيز الشراكة والثقة بين أفراد المجتمع والأجهزة ذات الاختصاص، ورفع سقف الوعي بأهميَّة المرونة المدنية في مكافحة الإرهاب لدى المؤسسات الأمنية وغيرها الكثير من الفوائد والأهداف، لا شك أن إشراك المجتمع في تصميم وتنفيذ الأنشطة الخاصة بمكافحة جرائم الإرهاب يساعد على مواجهة أوجه الضعف الفعلية واحتياجات السكان المتضررين بصورة أفضل.
ملاحظة: المرجع الرئيسي لهذا المقال هو دراسة محكمة ستنشر بإذن الله في مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية في عددها القادم (شهر 12) وتحمل عنوان المرونة المدنية في مكافحة الإرهاب (أهميَّة التعبئة العامة وإعداد الأفراد والمجتمع للتخفيف من آثار العمليات الإرهابية)


محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @