قد تعتقد أنك تعرف بالفعل قصص عائلتك بشكلٍ جيد، بين ذكريات الطفولة ولمِّ الشَّمل وتجمعات الأعياد، ربما تكون قد قضيت ساعات مع والديك وجدِّك وجدتك وعماتك وأعمامك في استيعاب تقاليد العائلة. لكن سؤالي هنا: هل تعرف حقًّا قدر ما تعتقد؟!
حقيقة لطالما كنت مفتونًا بالقصص التي ترويها الجدَّة أو الجدُّ أو تلكم العائلات، وتلك الحكايات التي تنتقل من جيل إلى جيل. لكن ما جعلني أطرح هكذا موضوع، أنني اندهشت فعلًا عندما اكتشفت أن الكثير من الأشخاص الآخرين لا يعرفون سوى القليل عن حياة آبائهم وأجدادهم، على الرغم من حقيقة أنهم عاشوا بعض العقود المثيرة للاهتمام. حتى بعض الأصدقاء، الذين تخصص بعضهم في التاريخ وبرعوا فيه، كانوا إلى حد كبير في جهل بشأن تاريخ عائلاتهم. صحيح أنه ربما يتشارك شيوخنا بعض الحكايات المألوفة مرارًا وتكرارًا، ولكن لا يزال الكثير منَّا ليس لديه إحساس أوسع بالعالم الذي عاشوا فيه، وخصوصًا ما كان عليه قبل مجيئنا. الأشخاص الذين قابلتهم لا يعرفون سوى القليل عن الحياة المبكرة لأجدادهم أو والديهم. فقلة هم الذين يستطيعون تذكُّر أي قصص شخصية عن وقت كون أجدادهم أو آبائهم أطفالًا!
الجميل بالأمر، والذي يجب أن نعيه نحن أنفسنا وأبناءنا أن التحدث مع الأجداد مثلًا، قد نرى بإجاباتهم عوالم جديدة تمامًا، تعكس المكان الفريد لكل شخص في التاريخ. وحقًّا قد تسمع بعض الأشياء التي توقعتها أحيانًا، ولكن ستقتنع بقيمة الحفاظ على هذه التواريخ العائلية. لذلك عندما تسأل أحد الأقارب عن المنزل الذي نشأوا فيه في ما مضى، اسألهم: ما الذي كانت تطل عليه نوافذهم؟ ماذا سمعوا عندما استيقظوا في الصباح؟ عندما تطلب وصفًا لمنزل طفولة أحد كبار السنِّ والأحياء التي تجولوا فيها، ستسمع قصصًا تضعك في عالم حسِّي غنيٍّ لا تعرف عنه الكثير. لذا اسأل عن موائد العشاء العائلية وما الذي تعلمه أقاربك حول التعبير عن المشاعر؟ اسأل عن أسوأ مواعيدهم الأولى ومكان شراء ملابسهم؟ وتذكَّر أن أهم الأسئلة يمكن أن تكون أبسطها!
ومن هنا وبعد سماع مثل هذه اللحظات، ستلاحظ كيف أن أبناءنا سيصبحون يرون أجدادهم بطرق جديدة. ولكن حتى الاستماع إلى الحياة العادية يمكن أن يكون أمرًا مثيرًا للاهتمام؛ لأن ما كان عاديًّا لأجدادك قد لا يكون عاديًّا بالنسبة لك!
لذلك حاول أن تجد فرصة للتحدث مع جدِّك أو جدَّتك، أو لذلك الوالد وبشكلٍ أقرب وأعمق. وحتمًا ستتفاجأ بتاريخهم الجميل منه.
ختامًا، مثلما تفقد الآداب الشفوية والتاريخية الثمينة لمجتمعات بأكملها في جميع أنحاء العالم من خلال التغيير السريع، والهجرة، وموت اللغة أحيانًا، والفشل في طرح الأسئلة، هناك خطر أن تفقد القصص الشخصية لعائلتك أيضًا إلى الأبد. ألست معي صدقًا، في أن والديك وأجدادك يتمتعون بلقطات فريدة من نوعها وذكريات للعالم الذي عرفوه، وفي التعرف عليهم، لا يمكنك فقط الحفاظ على الماضي ولكن أيضًا إنشاء معنى حقيقي وتواصل دائم معه. ففي العائلات والمجتمعات، هناك أسرار يجب اكتشافها!


د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]