إذا لم يتخطَّ أحَدُ مؤتمرات القمة العربية القادمة الصيغ والقوالب الجاهزة التي وضعتها مؤتمرات القمة العربية السابقة، لا يمكن لهذه المؤسسة القومية الشاملة، التي تنعقد عليها آمال الجماهير العربية إلا أن تتحول إلى منتدى أشبه ما يكون بـ”مقهى” تجتمع على أرائكه القيادات العربية من سنة لأخرى لاجترار ذات الأنساق والصيغ الجاهزة التي تعود بنا إلى مؤتمرات قمة سابقة لم تفلح (من الناحية العملية) في حل أية مشكلة أو في تذليل أية صعوبة ابتداءً من الصراع العربي الإسرائيلي (القضية الفلسطينية، اختزالًا)، مرورًا بالمشاكل السياسية والاجتماعية المزمنة المشتركة، وانتهاءً بالتهديد والتدخل الخارجي في العراق وتهديد دول الخليج العربي الأخرى.
وإذا كان من الضروري كسر القوالب الجاهزة مسبقًا، فإن هذا الشرط المسبق لا يمكن أن يتم دون “مبادرة تطوير أو تجديد” تضطلع بها إحدى الحكومات العربية (بواسطة بيت العرب، جامعة الدول العربية) على سبيل تحفيز القيادات المكافئة في كل قطر عربي لتدشين عصر جديد من تاريخ هذه المؤسسة القومية الشاملة التي تعقد الجماهير العربية من المحيط الأطلسي، إلى الخليج العربي، عليها الآمال الكبار، تلك الآمال التي ما تلبث وأن تخبو، مستحيلة إلى إحباطات بعد كل بيان مشترك (من نوع استنسخ والصق Copy & Paste) تصدره القمم العربية المتتالية منذ أواسط ستينيات القرن الماضي (منذ مؤتمر قمة الخرطوم، بالتحديد).
والحقُّ، فإن رموزًا قيادية عربية كبيرة كانت قد أسَّست لهذا التقليد القومي العربي، رموزًا من أمثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان فاعلًا في عصر مختلف، نظرًا لأننا نحيا اليوم في عصر جديد عسرت فيه عملية توليد مثل تلك الرموز المحفزة التي حظيت بشعبية عارمة على المستوى القومي الشامل، إذ اكتفت القيادات العربية اليوم بما أتيح لها من إمكانيات محدودة في دواخل أقطارها قوامها الشعبية والتأييد!
إنها دعوة جادَّة لبثِّ الحياة في مؤسسة مؤتمر القمة، ليس من خلال الإذاعات العربية، ولكن من خلال العمل الدؤوب في دوائر الحكومات العربية وذلك لترجمة تفاعلها مع الجمهور على نحْوٍ عملي ملموس: فالبيانات وحدها لا تجدي!


أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي