يبقى تعضيد الثقة واحدة من أهمِّ المنصَّات التي تحتاجها التنمية المستدامة إذا ارتبطت هذه الثقة بعيِّنات ميدانية لا غبار عليها وموثَّقة بشهادات تتوخى الوصول إلى استنتاجات حيادية منصفة عما يحصل من إجراءات.
لقد أصدر صندوق النقد الدولي قبل أيام قليلة تقريرًا عن أداء الاقتصاد العُماني بعد زيارة لسلطنة عُمان والتعرف على الأداء الاقتصادي فيها متخذًا من العيِّنات الميدانية التي فحصها مؤشرات له.
صندوق النقد الدولي يعتمد هذا الفحص الدوري لأداء الدول اقتصاديًّا بموجب المادة الرابعة من اتفاقية تأسيسه التي وقعت عليه سلطنة عُمان أسوة ببقية دول منضوية تحت ولاية الأمم المتحدة بموجب ميثاقها العتيد.
تنصُّ هذه المادة (على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء تتم في العادة على أساس سنوي ويقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد العضو وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة وإجراء مناقشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذا البلد).
ترى ماذا قال خبراء الصندوق عن الاقتصاد العُماني ضمن تقريرهم الجديد؟
باستحقاق واضح، رسَم الخبراء صورة إيجابية عن مَسِيرة هذا الاقتصاد مدعومة بمعطيات في مقدمتها تحقيق فائض مالي بنحو 5.3 بالمئة، وانخفاض في الدَّيْن العام ليصل نحو 43,6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلِّي. وتوقف الخبراء عند حالة إيجابية أخرى تتعلق بالإشارة إلى الخطة المالية، منوِّهين بالتوجُّهات المعتمدة التي حققت تحسُّنًا في الرصيد المالي وميزان المدفوعات، وأشاروا أيضًا إلى وجود تنسيق بين السياسات المالية في إطار إداري متوازن مع السيولة النقدية التي يتم التداول بها.والملاحظ أيضًا، إن خبراء الصندوق أفردوا اهتمامًا إيجابيًّا في الإشارة لشبكة الأمان الاجتماعي، ومرونة سوق العمل والمواظبة على المنهج الإصلاحي، ورفع مستوى المهارات بما يعزز دور القِطاع الخاصِّ في التنمية الوطنية للبلاد.
وبمعنى تحليلي، إن التنمية المستدامة التي تعتمدها الدولة العُمانية تخضع لأحكام الاستدامة ضمن المقاييس المعروفة؛ أي المطابقة مع مؤشر التنمية البشرية المستدامة الذي وضعت الأمم المتحدة مقاييس له، وأخذت تصدر تقارير سنوية بموجب هذه المقاييس تتعلق بفرص التنمية البشرية المستدامة تتعلق بالإفادة من الخدمات العامة، وتحقيق الأمان الاجتماعي الجمعي والاقتصادي وإعطاء أفضليات متقدمة في حالات الطوارئ، والحصول على فرص عمل وتوخي الالتزام بمعايير العدالة بدون أي استثناءات مفاضلة إلا بما يختص في أن تكون الرعاية للفئات الفقيرة وأصحاب الدخول المعاشية المحدودة. ولعلَّ ما يعزز قيمة هذه التطورات الإيجابية التي أشَّرها صندوق النقد الدولي أنها جاءت وسط مخلفات تحديات ليست قليلة على رأسها الانخفاض الذي أصاب أسعار النفط ومخلفات وباء كورونا، والمتغيرات المناخية القاسية التي تعرضت لها البلاد وعلى رأسها إعصار شاهين الذي اجتاح الأراضي العُمانية في أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، وكذلك تفاعل ظاهرة الجفاف، والتحدِّيات الخارجية التي أصابت شبكة العلاقات الإقليمية والدولية ورمت بنتائجها على مختلف دول العالم.
الحال، لم تكتفِ سلطنة عُمان في التصدِّي لتلك التحدِّيات ومنعها من احتواء اقتصاد البلاد، بل اعتمدت جهدًا مركبًا تُمثِّل في التصدِّي لها وفي الوقت نفسه مواصلة التنمية وفق المعدَّلات التخطيطية التي رسمت لها.
إجمالًا، المؤشرات الإيجابية التي وردت في تقرير صندوق النقد الدولي عن الاقتصاد العُماني تعطي الانطباع الواضح أنها لا تشير إلى فورة تنموية وقتية يمكن أن يتلاشى حالها حتى حين معين من الزمن، وإنما هي نُمو تراتبي تدرجي يؤسِّس لمنصَّات تنموية واعدة أيضًا، وتلك من علامات التنمية المستدامة.


عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]