هناك حملة في الإعلام الغربي، خصوصا البريطاني والأوروبي، تتعمد النيل من نتائج مؤتمر المناخ العالمي (كوب27) الذي استضافته مصر في شرم الشيخ هذا الشهر. المبرر الذي يركز عليه الإعلام أن ما تم التوصل إليه بعد مفاوضات أسبوعين لم يكن على المستوى المطلوب في الالتزام بمكافحة التغيُّر المناخي. والمقصود بذلك التعهدات الملزمة بالحدِّ من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري كي لا يرتفع معدل الزيادة في درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية. ومن غير الواضح من انتقادات بريطانيا وأوروبا ما الذي كانوا يريدونه أكثر مثلا مما تم الاتفاق عليه في المؤتمر السابق الذي استضافته بريطانيا في جلاسكو العام الماضي؟
تم الاتفاق في جلاسكو على تقليل الاعتماد على الفحم في توليد الطاقة؛ لأن انبعاثات الكربون منه أعلى بكثير من النفط والغاز. ورغم اعتراض بعض الدول من إندونيسيا إلى الصين والهند على ذلك البند، إلا أنه عدَّ إنجازا، رغم إصرار أستراليا على تعديل لغة البند ليصبح غير ذي معنى في النهاية. ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ مع أزمة الغاز الطبيعي في أوروبا، عادت الدول الرئيسية، خصوصا بريطانيا وألمانيا، إلى تشغيل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بعدما كانت توقفت لإخراجها من الخدمة ضمن أهداف مكافحة التغيُّر المناخي. كما زادت الولايات المتحدة، واليابان والصين والهند وغيرها، استهلاكها للفحم في توليد الطاقة. كل تلك الزوبعة من بريطانيا أوروبا كانت تستهدف لغة مشددة تجاه دول أوبك وغيرها باعتبارها المنتجة لمصادر الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية. لذا أخذ إعلامهم في اتهام تلك الدول بأنها ضغطت لتخفيف لهجة بنود الاتفاق النهائي.
بغضِّ النظر عن إمكانية تفنيد ذلك المبرر لحملة على مؤتمر شرم الشيخ، حيث إن العالم الغربي هو المستهلك الأكبر لتلك الطاقة التي تنتجها الدول التي تشن الحملة عليها. وبغضِّ النظر عن أن تلك الدول المنتجة للنفط والغاز تأتي في مقدِّمة دول العالم التي تعمل بالفعل على التحوُّل إلى الطاقة الخضراء النظيفة، ولديها من إمكانات الطاقة المستدامة من شمس ورياح وغيرها ما يمكنها من ذلك. بغضِّ النظر عن ذلك كله، يبدو الهدف من تلك الحملة السياسية والإعلامية هو التغطية على الإنجاز الحقيقي الذي تم في قمة شرم الشيخ. إذ لطالما طالبت الدول النامية والفقيرة، التي لم تسهم في تلويث البيئة ولا خرجت منها انبعاثات كبيرة أدَّت إلى التغيُّر المناخي، بإنشاء صندوق لتمويل تعويضها عن الأضرار الناجمة عن التغيُّرات المناخية التي تسبب فيها أساسا الغرب والدول الصناعية الكبرى. ويحسب للولايات المتحدة أن موقفها هذه المرة كان عاملًا مُهمًّا في إنجاز قمة شرم الشيخ لهذا الهدف التاريخي ببند إنشاء صندوق الخسائر والأضرار من التغيُّرات المناخية.
لا شك أن إنجاز شرم الشيخ أمر غير مسبوق، وجعل من قمة (كوب27) تاريخية بالفعل. هذا على الرغم من أنه من غير الواضح بعد من سيسهم في ذلك الصندوق بالقدر الأكبر وكيف ستحسب الأضرار من تصحر وجفاف وفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحار وانخفاض منسوب الأنهار إلى آخر تأثيرات التغيُّرات المناخية؟ لكن تضمينه رسميًّا في اتفاق يضم 200 دولة، هي كل دول العالم تقريبا هو إنجاز هائل بالفعل لم تتمكن أي من قمم المناخ السنوية السابقة من حتى طرحه رسميًّا في المناقشات رغم إلحاح الدول النامية. ومفهوم طبعا أن الدول الغنية لا تريد أن تتحمل مسؤوليتها عن تلويث البيئة وإحداث التغيُّرات المناخية التي أضرت ببقية الدول العالم أكثر ما أضرت بها. فباعتراف الأميركيين فإن عددا لا يتجاوز أصابع اليدين إلا قليلا مسؤول عن ثمانين في المئة من الانبعاثات الملوِّثة للبيئة والمسبِّبة للتغيُّر المناخي. بينما بقية دول العالم تعاني من الآثار الضارة لما تسببت فيه تلك الدول الغنية دون أن تكون مسؤولة عن حدوثه إلا بقدر غاية في الضآلة لا يكاد يذكر.
هذه الحملة السياسية والإعلامية التي تريد التقليل من أهمية الإنجاز الذي تم في شرم الشيخ ليست مبشرة بالنسبة لجهود مكافحة التغيُّر المناخي عموما. ليس من ناحية الحقِّ الذي يراد به باطل فيما يخص تقليل اعتماد العامل على مصادر طاقة ذات انبعاثات كربونية عالية، وإنما في تنفيذ البند الأهم في اتفاق شرم الشيخ. فالغرض من الصندوق ليس تقديم تعويضات من الدول الغنية للدول الفقيرة، وإنما أن تسهم الدول الأكثر تلويثا مثل أميركا والصين وبريطانيا وأوروبا واليابان وأستراليا وغيرها من الدول الصناعية الكبرى بالقدر الأكبر فيه لتمويل مشروعات تحوُّل بيئي في الدول النامية والصاعدة. وأتصور أن هذا ما يجعل تلك الدول مترددة في توفير تلك المليارات؛ لأنها تكون في شكل استثمارات في مشروعات طاقة نظيفة في الدول النامية والصاعدة. فحتى إذا كانت الدول الغنية تدرك خطورة التغيُّرات المناخية وتعمل بصدق على مكافحتها، فإنها ستفضل الاستثمار في التحوُّل البيئي لديها. ورغم التصريحات الإيجابية حول مشروعات الطاقة النظيفة في الدول النامية والصاعدة، إلا أن الدول الغنية لا تريد الاعتماد على تلك الدول كمصدر للطاقة النظيفة. وكأنما هي تخشى من (أوبك) جديدة للهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.


د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
[email protected]