اشتهر العُمانيون قديما بممارستهم للصيد والتجارة عن طريق البحر، باعتبارها مصدر دخل كبيرا نتيجة المبادلات القائمة من خلالها، واستطاع العُمانيون التنقل بين البلاد لممارسة التجارة وصيد الأسماك، واستغلال الموانئ التجارية في نشر الإسلام في ربوع العديد من البلاد والموانئ التي حطوا رحالهم فيها. وللخصال الحميدة التي يتميز بها العُمانيون اجتذبوا محبة أهالي تلك البلاد التي وصلوها، وقد اهتمت القيادة العُمانية على مرِّ التاريخ بإنشاء موانئ للصيد باعتبارها رافدًا مُهمًّا ولوجستيًّا للتجارة والصيد والتنقل بين موانئ العالم بفضل موقع عُمان المتميز، حيث تمتلك عُمان سواحل تصل مسافتها إلى 3165 كلم من مضيق هرمز في الشمال وحتى الحدود مع اليمن، كما أنها تملك منافذ بحرية تطل على ثلاثة بحار (بحر العرب، بحر عُمان، والخليج العربي)، ساعد على ذلك أيضا براعة العُمانيين في صناعة السفن التي كانت ذات أهمية كبيرة في التجارة البحرية، بعد ذلك قاموا بتطويرها وإدخال تحسينات عليها مع توفر المهارة والمواد اللازمة، مثل الأخشاب وتوفر الخلجان التي دفعتهم نحو المغامرة والترحال، حيث اتجهوا بقواربهم نحو إفريقيا والتي استطاعوا من خلالها الوصول لحكم بعض البلدان مثل زنجبار بعد أن استقروا فيها ونشروا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. ونتيجة الاهتمام بالتجارة أنشأوا في هذه البلدان الأسواق التي نظموا من خلالها معاملتهم التجارية، وعن طريق زنجبار انتقلت بضاعتهم وتجارتهم إلى العديد من البلدان الإفريقية التي تربطها بموانئ وملاحة بحرية.
ولأن الأرض الطيبة تنتج أجيالا مترابطة، تعيش بمنطق الوصل لا الفصل، وربط التاريخ بإنجازاته مع الحاضر بإمكاناته، ولاهتمام الحاضر ـ كما الماضي ـ بإنشاء الموانئ من أجل تأمين وزيادة الصيد البحري، أعلنت الأحد الماضي أعلنت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ـ خلال الاحتفالات التي تعم البلاد بمناسبة العيد الوطني الثاني والخمسين المجيد ـ عن إنشاء ميناء متعدد الأغراض في ولاية مصيرة بمحافظة جنوب الشرقية بمساحة حوض الميناء تبلغ مليون متر مربع بعمق يصل إلى (5 ـ6) أمتار من أدنى مستوى للجزر، وهو أحد المشروعات التنموية التي تم إدراجها في الخطة الخمسية العاشرة “2021 ـ 2025م”، والذي يأتي في إطار العمل على تطوير موانئ الصيد بسلطنة عُمان لتكون بيئة جاذبة للاستثمارات، وتواكب خطة الوزارة في الاستفادة من الموارد السمكية من خلال زيادة وتطوير أسطول الصيد، وبالتالي تكون بيئة عمل ممكنة وجاذبة للصيادين العُمانيين، مع توفير العديد من الخدمات العامة والخاصة داخل أحرامات الميناء مما سيرفع مساهمة قِطاع الثروة السمكية في الناتج المحلي الإجمالي، ويشتمل الميناء على عدة مكوِّنات أساسية منها خدمة قِطاع الثروة السمكية، وتسهيلات للقِطاع السياحي، والنقل، إضافة إلى المرافق الخدمية الحكومية والخاصة على مساحة أرض تصل إلى حوالي ٢٤٠ ألف متر مربع، ويشمل الميناء ملحقاته مثل الأحواض والكاسرات والأرصفة.
إن إنشاء موانئ الصيد ليست كونها مصدرا للدخل فقط، يعتمد عليها عدد كبير من القوى العاملة الوطنية، خصوصا تلك التي تعيش في المناطق والقرى الساحلية، ويعملون إلى جانب الصيد في المهن والنشاطات الأخرى المرتبطة بالصيد مثل التسويق، والنقل، والتجهيز، والتبريد، والتخزين، بل هي رابط مهم له عمق تاريخي يحافظ من خلاله الأبناء على التاريخ التليد للسلطنة في الصيد البحري تلك المهنة القديمة التي برع فيها الآباء والأجداد.


جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»