حالمون.. كلمة أصبحت من الماضي، ففي قطر كل شيء أصبح حقيقة، كيف لا؟ وهي أول دولة عربية، بل وفي الشرق الأوسط، تنظم كأس العالم، شكرا لكم جميعا أهل قطر من القلب على روعة الافتتاح والتنظيم، يا لها من لحظة فرح وابتهاج، ويا لها من رسالة عظيمة انبثقت من استاد “البيت”، بيت كل العرب لمدِّ جسور الحوار بين الحضارات.
رسائل قطرية عربية، بأن ملعب البيت “الخيمة العربية” هي خيمة البدوي، وخيمة العربي، هي السلام والأمان والتسامح والتكاتف والكرم والضيافة، هي دعوة لكل الدول والشعوب في كل القارات التي تُمثِّل كل المنتخبات، رسالة تقول للجميع لقد جعلنا الله قبائل وشعوبا لنتعارف وليس للعداء والحروب والعنصرية، كما جاء في القرآن الكريم “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”.
فلا كلام يعلو على قطر حكومة وشعبا، الكل سجل بصمة في افتتاح المونديال العالمي 2022، ووثق حركة، وسطَّر كلمة، الكل يتغنى بدوحة الخير اليوم، البعض بدأ في إجراء حجوزات السفر لرؤيتها بعد المونديال، وكل بيت في أنحاء المعمورة أصبح يعرف موقع قطر وعاصمتها الدوحة.
لا مستحيل، مع الإرادة والعزيمة، ومع رؤية فذة ناجحة، ولا مستحيل أصبحت من الماضي، فكأس العالم في أرض عربية وباسم كل العرب، ولا مستحيل سجلها الأخضر السعودي أيضًا بفوز تاريخي على المرشح الأول التانجو الأرجنتيني بقيادة ميسي.
لقد أبدع الشهري وتألق الدوسري ونجح كنو وصمد العويس وغيرهم، وألغوا في أدائهم من القاموس كلمة مستحيل كما ألغتها قطر في التنظيم والافتتاح.
إنه الإبداع القطري، والتألق السعودي، اللذان سيبقيان في الذاكرة والأرشيف الرياضي مدى الحياة، فالدول والمنتخبات تقاس نتائجها بعزائم أبنائها وأفعالهم لا بأحجام مساحتها أو عدد سكانها.
استاد “البيت” تحوَّل لكرنفال في الافتتاح، و”لوسيل” تحوَّل لقبة سعودية عربية شاملة، وصدح معلق العرب العُماني خليل البلوشي كما لم يصدح من قبل؛ لأن نسور المملكة أرادوها تاريخية، رغم صدمة الحزن والدموع التي أصابتنا جميعا لإصابة المتألق ياسر الشهراني، آملين الشفاء العاجل والعافية التامة له حتى يعود لتألقه كما كان وأكثر.
إنه الحلم، قطر تعلو عالميا، والأخضر السعودي يدخل الموسوعة الرياضية، وبين الفكرة والافتتاح، رسمت قطر لوحة خيالية من الفعاليات، وتردد اسمها في كل القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة و”السوشيال ميديا” وغيرها.
كنا بالأمس حالمين، بتنظيم كأس العالم كعرب وليس قطر فقط، وكنا حالمين بالفوز على كبار المنتخبات العالمية والمرشحة بقوة لكأس البطولة، وها هو الحلم تحوَّل إلى حقيقة، والذين يعرفون قطر وقيادتها وشعبها، كسبوا الرهان، والذين يعرفون المنتخب السعودي يثقون في أدائه لأنه كجبل طويق الذي لا ينحني أبدا.
فشكرا وحدها لا تفي قطر حقها، والأداء العربي ـ بإذن الله ـ سيكون مقنعا هذه المرة من كل المنتخبات العربية قطر وتونس والمغرب والسعودية.. فشكرا للقيادة القطرية بدءا من الأمير الوالد وسُمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وشيخ الشباب جاسم بن حمد آل ثاني، فالأمم الحية لا تموت.
خسر العنابي الافتتاح، ولكن السعودية وتونس عوضتا الحلم العربي، وبإذن الله المغرب على نفس المسار رابحون، لنطوي صفحة حالمين للنهاية، فلكل شيء بداية ونهاية، وعلى أرض قطر أصبح ما كان بالأمس حلما حقيقة... والله من وراء القصد.


د. أحمد بن سالم باتميرا
[email protected]