قال الله تعالى:(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الانفال ـ 60).
معاني الكلمات:
(قوة): كل ما يتقوى له في الحرف من سياسة واقتصاد وتماسك مجتمع وقوة عسكرية وبشرية أي جميع القوى المادية والمعنوية حسب التقدم العلمي والحضاري، (رباط الخيل): المكان الذي تربط فيه الخيل المعدة للقنال ويشير إلى حراسة الثغور، (ترهبون): تُخَوّفون.

التفسير الإجمالي:
إرهاب العدو ليس يعني قتله، وإنما إخافته لردعه عن الحرب، لأن المسلمين إنما يحاربون فقط للدفاع عن نفوسهم، فربما يضطرون إلى إعداد القوة لكي يُرهِبوا بها أعدائهم فيرتدعون عندها عن القتال، أما في حال عدم إعدادهم لهذه القوة فإنهم يكونون في حالة ضعف وطمع للعدو فيهم، مما قد ينشأ بينهم حروبًا طائلة قاسية قد يمتد مداها، لذلك فإن أدب الإرهاب الذي أدبنا الله عليه يحقق لنا فوائد عظيمة، أعلاها إعلاء كلمة الله، والحفاظ على دينه من الفتنة العمياء.
يأمرنا الله سبحانه وتعالى أدب الإرهاب، وهو أن نعد العدة الحربية والمدنية بمنتهى استطاعتنا للعدو الساعي في إبطال ديننا، وقتلنا، وأن نسد ثغور المسلمين لئلا ينفذ منها العدو، وذلك بأن تكون الخيل معدة في رباطها، مستعدة لانطلاق في أي لحظة كانت، والعلة من ذلك كما قال الله تعالى:(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) أي: لتخويف عدو الله أي عدو الدين، وعدونا، وجاء رباط الخيل في عصر النبي حقيقة أما في عصرنا فكناية عن حراسة الثغور، لأن الوسائل تقدمت حتى صار العدو لا يعبأ بالخيل المرابطة، لذلك فمن المناسب في المرابطة تشييد حصون قوية جدًّا، وثابتة مجهزة بأطور الأسلحة والمناظير والمستكشفات المادية، وذلك لتتبع حركات العدو عن بعد أولًا بأول، وبالتالي تحصل علة الإرهاب للعدو، فيخافنا العدو الظاهر والعدو المستخفي ويجبنون عن قتالنا، وقيل عدو الله وعدوكم هم قريش والمشركون، و(آخرين من دونهم) هم المنافقون، و(الله يعلمهم) لأنهم مستترون بالدين ويغزون مع المسلمين، وقيل هم أيضًا اليهود.
ومن المعلوم أن القوة في الوسائل الحربية القديمة والحديثة قائمة في الرمي، وذلك ما أشار إليه الحديث الشريف، يَقُولُ الرسول (صلى الله عليه وسلم):(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ.
ولمَّا كان الأمر بإعداد أقصى قوة ممكنة لمواجهة العدو يتطلب إلى أموال كثيرة، بشر الله عباده المسلمين بأن ما ينفقونه في طاعة الله (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) حيث يخلفه الله لكم أيها المؤمنون في الدنيا ويدخر لكم أجوره يوم القيامة، (وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) أي: لا تنقصون شيئًا من مالكم بل ستضاعف لكم أضعافًا كثيرة.


* علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني