للمرة الثامنة خلال تسعة أشهر، وصل مندوب الرباعية توني بلير إلى القاهرة للقاء المسؤولين المصريين، حيث قابله وزير الخارجية المصري سامح شكري وبحث معه الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وسبل تنفيذ تعهدات
الأطراف المانحة التي أعلنتها في مؤتمر القاهرة الخاص بإعادة إعمار قطاع غزة. إن وقائع الأمور تؤكد أن هذا المندوب غير المرحب به عربيا وفلسطينيا لمواقفه الإسرائيلية ولكون مصالحه التجارية باتت أساسية في المنطقة وأنه يتابعها أكثرمما يتابع الشؤون السياسية، كما اتهمه سياسيون بريطانيون بأنه ليس فقط متورطا في حرب العراق ويتحمل فيها مسؤولية قتل مليون عراقي، بل إن دوره في تسوية أزمة الشرق متواضع جدا، وقد لا يجد هذه المرة من يصغي إليه.
عودة بلير إلى المنطقة، لن يحمل جديدا على صعيد اللجنة الرباعية باعتباره مندوبها، إذ عودة لتاريخ تلك اللجنة التي تأسست عام 2002 ومن إربع قوى أساسية هي الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، نرى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ظل محتدما، حيث أكد العدوان على غزة مؤخرا الصورة الهشة لكل ما قادته تلك اللجنة وما فعلته وما تحملته، وأنها ظلت هامشية أمام التمادي الإسرائيلي في شتى العمليات الاستيطانية، وأنه منذ العام 2011 ،حيث قدمت اللجنة مقترحا هزيلا لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين لم تتطرق فيه إلى الاستيطان، فكان أن انعكس هذا على الواقع الصراعي في المنطقة.
إن مزاعم توني بلير بأنه يعمل " مع حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على دعم وترويج النمو الاقتصادي وتطوير المؤسسات بهدف تحسين حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وتوفير الأمن لكل من الإسرائيليين والفلسطينين". لاتجد على أرض الواقع ما يؤكد غير كونها مجرد مزاعم،إلا في شقها الإسرائيلي، فلم تسهل الأمور للفلسطينيين لكي يتمكنوا من العيش بحرية، بل تمكن الاستيطان الإسرائيلي من تحويل الضفة الى معسكرات إسرائيلية ماتت بها كل حركة للفلسطينيين بين بلدانهم وقراهم، ثم ان فريق خبراء بلير لم يقدم دليلا على أنه يقود مرحلة لتثمين الواقع الفلسطيني، ففريقه كان على شاكلته تماما، اي انه لم يخرج عن كونه عامل مساعد للإسرائيلي، ان لم يكن خير مساعد له. واذا اخذنا الاقتصاد الفلسطيني فنحن نرى حجمه الحقيقي من خلال الاعانات التي مازالت تعتمد عليها السلطة في تسيير شؤونها الصعبة مقابل الموت التدريجي للوضع الفلسطيني الزراعي ومشتقاته. اما الأمن، فليس له محل عند الفلسطينيين عندما تجد إسرائيل فرصة لتخريبه ساعة تشاء، فيما يظل الواقع الامني الإسرائيلي في افضل حاله.
عودة بلير إذن الى المنطقة، لن تكون سوى محاولة عبثية لتاريخ من مزاعم البحث عن حلول لم تتمكن اللجنة الرباعية بقيادته من إيجادها، بل إن ثوابت بلير في روحيته الإسرائيلية، وفي اندفاعاته الصهيونية، سوف تزيد من اللا استقرار الفلسطيني لا استقرارا إضافيا، ومن اللاحل إلى لاحل ومن معاناة غزة إلا المزيد من المعاناة، فبلير الذي لا يملك عنوانا لحل أزمة مستعصية، لن يكون بمقدوره ـ بعد كل تلك المحاولات العبثية التي قادها ـ هذه المرة سوى إضافة خيبة جديدة على خيباته السابقة وإبقاء القضية الفلسطينية تدور في ذات الدوامة التي يراد لها أميركيا أن تستمر فيها، وأن يواصل هو وفريقه في جني الفوائد المادية على حساب معاناة الفلسطينيين.