قد لا يعرف الكثيرون أن المقاومة في العراق قد بدأت نشاطاتها بطريقة مختلفة عن غالبية حركات المقاومة في العصر الحديث. فمن المعروف أن الجهد الذي يهيء لأي مقاومة يبدأ بترتيبات سياسية ثم ينتقل إلى تنظيم ومنه تنبثق المجموعات المسلحة، هذه المجموعات تشكِّل الجسد الرئيسي للمقاومة، لكن في العراق وبسبب الزلزال الخطير الذي نتج عن سرعة احتلال العراق، وحالة الفوضى الواسعة التي صاحبها انبثاق المقاومة، فقد بدأت عمليات فردية مسلحة، دون الخضوع لمرحلة التأسيس السياسي والتنظيمي.
بدون شك، أن هذا الجانب يحمل أكثر من خطر هدد المقاومة العراقية في بداية انطلاقتها، لكن سرعان ما تراجع التهديد بعد توجُّه رجال المقاومة لتشكيل الفصائل التي أصبحت النواة للعمل المقاوم في العراق.
وتوزعت كوادر المقاومة بين مقاتلة وعاملة في الحقل الإعلامي، وإن كان بسيطا في بداياته. وهناك من ذهب إلى تطوير الأسلحة وخزن المتوافر منها، وآخرون شرعوا في دراسة تجارب المقاومة في العالم، واهتم الغالبية منهم بما أوصى به قادة المقاومة في العديد من الدول. على سبيل المثال، تبحروا في نصائح بعض زعماء المقاومة من ذوي الخبرات الميدانية الواسعة، على سبيل المثال لا الحصر، ما عبَّر عنه الزعيمُ الصيني ماوتسي تونج عندما تحدث عن رؤيته لواحد من أهم شروط استمرار المقاومة حتى بلوغ أهدافها، إذ قال جملته الشهيرة “يجب على المقاومة أن تتحرك وسط الناس، كما تسبح السمكة في الماء”. وبهذا الكلام خاطب الزعامات والقيادات السياسية، التي تتحكم بحركة ونشاطات المقاومين، وقبل هؤلاء منظري حركات المقاومة ومفكريها، مازجا بذلك الاشتراط الأمني والاستخباري، بالأهداف المرسومة للمقاومة ودقتها، وإذا كان هذا الأمر ينطبق على جميع المقاومات التي انطلقت في التاريخ، فإن المقاومة العراقية، ليست استثناءً ولا تخرج عن هذا الإطار، رغم تفردها بخصوصية واضحة في نشأتها وانطلاقها ما ميزتها عن تجارب المقاومة الأخرى التي سبقتها، الأمر الذي يتطلب دراسة مستفيضة للظروف التي نشأت فيها المقاومة العراقية، هذه الظروف التي تتوزع على عدة جوانب رئيسية، لكل جانب منها أهميته وخطورته، وتأثير تلك الجوانب في بلورة اتجاه العمل المقاوم واتضاح منهجيته، وفي المقدمة منها مسألة الدعم الدولي أو الإقليمي، الذي يُعد من أهم العوامل المحفزة للتفكير ببزوغ وانطلاق أية مقاومة، وهذا العامل انتفى تماما في تجربة المقاومة العراقية، وسبب ذلك بكل بساطة يعود إلى تفرد الولايات المتحدة الأميركية (دولة الغزو والاحتلال) بالهيمنة على العالم من خلال القطبية الواحدة، التي اتسمت بها المنظومة الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بداية تسعينيات القرن العشرين، واعتبار الألفية الثالثة أميركية بامتياز وبلا منافس أو منازع على الإطلاق، وينسحب هذا التفرد بالسيطرة الكونية الأميركية على العوامل الأخرى المؤثرة في أي عمل مقاوم.
لكن ورغم ذلك فقد تفردت المقاومة بقدرات كبيرة في تصديها لقوات الاحتلال الأميركية وغيرها.

وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]