يبدأ موسم الأعياد والعطل The Holidays في الولايات المتحدة الأميركية بليلة (الهولوين Halloween) أي نزول الأرواح الشريرة على الأرض، ثم يأتي بعده يوم 27 نوفمبر (عيد الشكر Thanksgiving)، ولا ينتهي هذا الموسم إلا صبيحة اليوم الأول من العام الجديد، إذ تعود ذبذبة الحياة إلى رتابتها، ويمحو كل من يعمل أسباب الفرح والاحتفاء استعدادًا للعودة إلى “روتين” الحياة اليومية الممل والمليء بالتعب والمواظبة والمسؤوليات.
بيد أن الأميركان (حكومة وشعبًا) يمنحون موسم الأعياد كل ما يستحق من اهتمام وعطاء واستعداد نفسي.
وإذا ما يعبر الأميركان عن شكرهم على النعم المتاحة لهم في عيد الشكر مع بداية الموسم، فإن الوكالات (الدوائر) الحكومية والكيانات الخاصة تفعل كل ما في وسعها على تعزيز روح الفرح والحبور بين الناس، بغضِّ النظر عمَّا تفعله بعض شركات القطاع الخاص للترويج واستغلال الفرص لكسب المزيد من الأرباح، وفي مثل هذه الأيام تظهر بوادر النزعة الخيرية بوضوح وبقوة، درجة أن أحد الشيوخ المسنين يظهر وهو يحمل ما أتيح عنده من مال (نقد) للمرور على المشردين الذين يتخذون من الشوارع والساحات العامة ملاجئ لهم، كي يوزع عليهم شيئًا مما حباه الله له من نِعم، ناهيك عن قيام الكنائس المتنوعة بأنواع الأعمال الخيرية، من موائد الأطعام وحملات توزيع كسوة الشتاء للفئات العمرية الكبيرة أو الصغيرة، حسب الحاجة.
وتعمد شركات الصناعات السينمائية والموسيقية والمسرحية على تركيز أنشطتها الاحتفائية في هذه الفترة كذلك، إذ تشهد هذه الأيام أغلب الأنشطة الفنية كالمهرجانات وتوزيع الجوائز العالمية الشهيرة، شاغلة المتابعين يوميًّا (تقريبًا) بشاشات التلفاز من جوائز الأفلام، إلى جوائز الطرب والفرق الموسيقية، مرورًا بجوائز المسرح الاعتيادي والغنائي. أما إذا ما أتيحت للدوائر الحكومية فرصة لزيادة المرتبات، خاصة للفئات “التعبانة” من متقاعدين أو محتاجين أو أطفال، فإنها لا تبخل بفعل كل شيء من أجل إسعاد هذه الفئات، رافدةً مبادرات الكنائس والجمعيات الخيرية بكل أنشطتها وعطائها السنوي.
ويأتي يوم “الجمعة السوداء” Black Friday بتاريخ 28 نوفمبر استجابة للطلب المتزايد على المواد الاستهلاكية (من الملابس والأجهزة الكهربائية حتى لعب الأطفال) وذلك عبر تخفيضات كبيرة للأسعار، إذ يتهافت المتسوقون حتى قبل شروق الشمس للفوز بشراء ما يحتاجون إليه من بضائع لإسعادهم وبث الفرح في نفوس أبنائهم.
وللمرء أن يلاحظ مركزية أميركا في “عطايا” و”مكرمات” موجهة إلى فقراء العالم الذين يتضورون جوعًا (حتى الرمق الأخير) في بقاع مختلفة من عالم تفوز به الولايات المتحدة بلقب القطب الواحد، كما هي عليه الحال المأساوية في الصومال، وفي سواها من بقاع الأرض المبتلية بالقحط والأمراض وأشكال الظلم والهوان. لذا، يترتب على أغنى دولة في العالم، سوية مع دول أوروبا الغنية الأخرى، واجبات المعاونة على محاربة الجوع والقضاء على التمايز بين أمم الأرض، بين فقراء وأغنياء، على سبيل بلوغ حلم البشرية بعالم سعيد، بشَّر به سيدنا المسيح (عليه السلام)، كما عملت من أجله جميع الأديان والشرائع!

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي