مرة أخرى أجدني مرغما على الكتابة عن بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تحتضنها دولة قطر الشقيقة، ولكن للتعليق على أحداث غير الجرعة الكبيرة من المتعة الكروية التي تشهدها البطولة، تماشيا مع الإعلام الغربي الذي ترك التنافس المحتدم بين الأقدام، ووجَّه أسهم نقده الخبيثة نحو قضايا فرعية، متجاهلا حجم الإنجاز الذي حققته قطر الشقيقة في استضافة هذا الحدث بنجاح لا ينكره إلا جاحد، لتقدم نموذجا يؤكد أننا كعرب ومسلمين قادرون على صنع المستحيل، بما نملكه من إمكانات وقدرات، إذا أحسنَّا الاستفادة منها. فالتقنية والتنظيم فاقا التوقعات، وجعلا البطولة، التي سعى الغرب إلى نقلها لدولة أخرى، أفضل البطولات وأنجحها على الإطلاق.
ولعل أهم ميزات تلك البطولة من وجهة نظري، أنها أظهرت لشعوبنا العربية، الفرق بين الاقتداء بالنموذج الغربي المتقدم تقنيا وعلميا، وبين تبني الأفكار الأيديولوجية والاجتماعية، التي تتعارض بشكل كبير مع قِيَمنا الراسخة، التي تنبع من ديننا الإسلامي السمح، فالنموذج الغربي بات رهينة ابتزاز جماعات وتجمعات تحمل أفكارا شاذة، نتيجة قدرتها على توحيد أصواتها، وبات السياسيون الغرب يبتعدون عن القِيَم الإنسانية العليا، ويسعون وراء أفكار هدامة، تخالف الفطرة الإنسانية، ويتحالفون مع دول مارقة إرهابية، ويتجاوزون عن جرائمها، بفضل ما تملكه من جماعات ضغط، تؤثر على الكتل التصويتية في بلدانهم، وتجعلهم رهينة أفكار قيمية مدمِّرة للإنسانية، ملتحفين بالتشدق بالحرية المزعومة، التي يعلقون عليها كافة الموبقات.
إن الأحداث المتشابكة مع تلك البطولة العالمية تعطي لأبنائنا فرصة للتفريق بين التطوُّر التقني والعلمي الغربي، وبين الانهيار القيمي، الذي يحمله لنا النموذج الغربي بشعارات عن الديمقراطية والحرية، وأرى أن هذه البطولة قد حققت نقلة كبيرة في إبراز هذا المفهوم لدى الشباب العربي والمسلم، الذين فوجئوا بمسؤولة غربية تدخل بشعار يرفضونه، تحت ملابسها الرئيسية، في تحدٍّ فجٍّ للقِيَم والأعراف العربية والإسلامية، وغيرها من الأحداث التي أظهرت هذا العوار الغربي، وعلينا جميعا إبرازه لحماية أبنائنا من حالة التغرب التي يعيشونها، فالبطولة بما بها من أحداث تؤكد عمق الهوة، وتثبت أن الديمقراطية الغربية، ترفض الاختلاف، وتقمعه مثلها مثل أي نظام ديكتاتوري تتحدث في العلن عن رفضه.
إنها فرصة للتأمل والتأكد أن الشعارات الجذابة قد تكون بوابة التدمير الذاتي، إذا أهملنا قِيَمنا وأخلاقنا المتوارثة، التي أثبتت التجارب أنها أكثر تطورا، من الأفكار المدلسة والشاذة التي يسعى الآخر إلى نشرها بين صفوف الشباب في العالم، مستخدما إمكاناته الإعلامية الجبارة، وسيطرته على كافَّة أذرعها التقليدية منها والحديثة، والتي أدخلت العديد من الدول العربية والإسلامية في صراعات داخلية، بلغت حد الحرب الأهلية في العديد منها، ودخلت نفقا مظلما، لا يعلم سوى الله متى ستخرج منه، ودول أخرى أنقذت وهي على شفا الانهيار، لتؤكد صحة المثل الشعبي القائل: (لا يأتي شيء من الغرب يسر القلب).
إبراهيم بدوي
[email protected]