توجهت لإجراء الصيانة الدورية لسيارتي، بأحد مراكز الخدمة التابعة للوكالة التي اشتريت منها السيارة، وكان اليوم صباح الخميس، وصلت إلى الموظف الشاب مدخل البيانات، الذي خيرني بين ترك سيارتي ثلاثة أيام، أو الحضور يوم الأحد لإجراء الصيانة، وعندما سألته عن السبب، كان رده: اليوم الخميس ونصف الفنيين غائب، والجمعة والسبت إجازة أسبوعية، وعندما أشرت للوحة خلفه، تتحدث عن أن السبت يوم عمل، أجابني: مخزن قطع الغيار مغلق ولا يعمل إلا من الأحد للخميس، وعندما أبديت له مخاوفي من ترك السيارة بدون صيانة مدة ثلاثة أو أربعة أيام، ردَّ علي بحدَّة: توجَّه إلى أقرب “شيشة” وغير زيت المحرك، هل تريد أن يفقد الشباب إجازتهم الأسبوعية من أجل صيانة سيارتك؟
انصرفت وابتلعت الرد داخلي، ولسان حالي يقول للشاب، مراكز الخدمة في معظم دول العالم لا تغلق أمام الزبائن، وإجازة نهاية الأسبوع ليست مقدسة ويمكن توزيعها بين الشباب بالتناوب على مدار أيام الأسبوع، المهم ألا تغلق الوكالة أبوابها وتمتنع عن تقديم الخدمة، خصوصا وأن نهاية الأسبوع الفرصة الوحيدة أمام البعض لإجراء الصيانة، مع ما في الغلق من هدر للإيرادات.
عندما التحقت بالعمل منذ أكثر من ثلاثين عاما، ظللت أكثر من عشر سنوات عالقا في الدوام الليلي، فقد كان “الشفت” الصباحي للإداريين وقدامى العاملين، وكانت إجازتي الأسبوعية يوم الاثنين، ولم أعرف طعم الإجازة يوم الجمعة والأعياد والمناسبات الرسمية إلَّا مؤخرا، وكانت زوجتي تتبرم في بادئ الأمر من هذا الوضع، ولكني شرحت لها أن هذه هي طبيعة عملي، وأن الأولوية لا بد أن تكون لـ”لقمة العيش”، وبعد ذلك يأتي الترفيه والواجبات الاجتماعية، وكان هذا حال معظم أبناء جيلي ممن يمتهنون أعمالا تتطلب العمل على مدار الساعة، فماكينات المصانع وأفران الصهر لا ينفع أن تتوقف أو تنطفئ، ليحصل جميع العمال على إجازتهم الأسبوعية جميعا في وقت واحد.
لا أدري هل جيلي على حق، أم الأجيال الشابة التي ترى سلم الأولويات بطريقة مختلفة، وترى أن العمل ليس كل شيء، وأن الحياة لا بد أن تعاش كما ينبغي، وأن الإجازة والترفيه شيء أساسي، وأن الوظيفة إن لم تكن مجزية وتوفر مستوى معيشيا لائقا منذ البداية، لا جدوى منها، والأفضل الانتظار بدون عمل، وأن من يبدأ ضعيفا ويرضى بقليله سيظل طوال عمره محلك سر يعاني الفقر والإحباط؟
من خلال علاقتي بابني الشاب، ألحظ قدرا كبيرا من الأنانية والانكفاء على الذات، فهو ينتمي لجيل متحلق حول نفسه، يرفض إعطاء الآخرين ووجهات نظرهم أي اعتبار، كما يرفض وضع نفسه مكان الطرف الآخر عندما أطلب منه ذلك، ويتخيل أنه محور الكون، وأن الجميع لا بد أن يسخر لمساعدته وخدمته، بينما هو غير مطالب بالتضحية أو العناء من أجل إسعاد غيره.
محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري