بعد مرور عامين ونصف العام على انتشار جائحة كورونا، نلاحظ بأنَّه لا يزال الإرهاق قائمًا بين الناس، وبين العاملين والموظفين، حتى زاد الضغط في مكان العمل بالرغم من أن الروتين اليومي أضحى لحدٍّ ما (طبيعيًّا). وحقيقة ما شدَّ انتباهي هنا كيف أن بعضًا من الأجيال الشابة، بدأوا يبحثون عن يوم خاص لصحتهم النفسية؟! فهل تلك الإجازة العرضية أو ذلك اليوم، مبرر على أنَّه ضروري للحفاظ على السعادة؟ أعتقد هنا، من حيث المبدأ، قد يكون هنالك يوم إجازة للراحة النفسية!
ومع ذلك فيوم الصحة النفسية هذا، وعلى الرغم من حُسن النية في التفكير به، فهو ليس حلًّا دائمًا للإرهاق المزمن، والتشاؤم، ومشاعر عدم الفعالية التي تُمثِّل علامات الإرهاق. فإذا أردنا فعلًا تحسين الصحة النفسية للعمَّال ـ مثلًا ـ أو لأي موظف ومعالجة الإرهاق الواسع الانتشار، فنحن بحاجة إلى إجراء تغييرات أكبر بكثير على طريقة العمل القائم بها في تلكم المؤسسات أيًّا كانت.
صحيح أن تقليل العمل بشكلٍ عام يمكن أن يساعد في منع الإرهاق. وهذا ربما لأن عبء العمل هو أحد الجوانب الرئيسية للوظيفة التي يمكن أن يؤدي فيها (عدم التوافق) بين الشخص وعمله إلى الإرهاق! ناهيك عن أنَّ عدَّة دراسات طبية أكَّدت أن أخذ المزيد من أيام الراحة في الشهر ارتبط بانخفاض معدَّل انتشار الإرهاق في العاملين في مجال الرعاية الصحية ـ على سبيل المثال ـ.
لكن صدقًا، هل هنالك من يتفق على تفاصيل ما هو عليه يوم الصحة النفسية؟ قد يكون بالنسبة لبعض الموظفين، بمثابة تجمُّع رسمي للإجازات مدفوعة الأجر يمكنهم الاستفادة منها متى شاءوا، بينما آخرون، الذين ربما لا تقدم سياسة صاحب العمل مثل هذه الإجازة، يطالبون بيوم الصحة النفسية العرضية كنوع من الإجازة المرضية بحكم الواقع. في كلتا الحالتين، فإن القضية الأساسية هي أن يوم الإجازة الفردية ليس هو نفس الجدول الزمني الأخف باستمرار. إنه إصلاح مؤقت كالإسعافات الأولية، وليس حلًّا طويل الأمد من شأنه أن يجعل الحياة اليومية للموظف أكثر قابلية للإدارة.
وبالتالي أجزم هنا بأن أيام الصحة النفسية العرضية هي أشياء جيدة، لكن تأثيرها ضئيل على الإرهاق. فإذا عاد الناس إلى نفس حالات عدم التوافق التي دفعتهم إلى الإرهاق، فسيكون القليل من الوقت فقط راحة. ما أعنيه أن أيام الصحة النفسية ليست (حلًّا سريعًا) للأشخاص الذين يعانون من القلق أو اضطرابات الوسواس القهري. وفي الواقع، إذا تجنبوا وظيفتهم بدافع الخوف دون اتخاذ خطوات أخرى لعلاج حالتهم، فقد تصبح العودة إلى مكان العمل أكثر صعوبة. بل إن الذهاب إلى العلاج يمكن أن يكون سببًا صحيًّا لأخذ وقت منتظم بعيدًا عن العمل. ولكن العلاج، وليس الإجازة، هو ما يساعد على تحسين حالة الشخص.
ختامًا، ولإصلاح الإرهاق على نطاق واسع، سنحتاج للنظر إلى العمل نفسه. يجب على أصحاب العمل تخصيص أعباء عمل يمكن إدارتها مع الكثير من أيام الإجازة المدمجة ـ إن استطعت القول ـ. وكمجتمع، يجب أن نكون منفتحين أيضًا على تجربة هياكل عمل جديدة. فمثلًا أربعة أيام عمل لكل أسبوع، يمكن أن تقلل من الإرهاق دون التضحية بالإنتاجية. وهكذا فإن إجازة من العمل شيء مفيد، لكن حتمًا الموظفون يستحقون شيئًا أفضل بكثير من يوم للصحة النفسية: إنها الوظائف التي لا ترهق صحتهم النفسية في المقام الأول!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]