تمتلك سلطنة عُمان رصيدًا كبيرًا من التخطيط العمراني، الذي ينظر له العالم بتقدير واحترام منذ انطلاق نهضتها المباركة، حيث سعَتْ منذ البداية إلى الاستخدام الأمثل بما تملكه من موارد طبيعية؛ لإحداث قفزة عمرانية كبرى، استوعبت التطوُّر المطلوب على كافَّة الأصعدة، وعملت على بناء مجتمعات حضرية في كافَّة رُبوع الوطن، مجتمعات تسعى إلى التطوُّر المستدام، الذي يحفظ حقَّ الأجيال القادمة من التنمية المستدامة، وفق مخططات عمرانية قرأت المستقبل بعناية، وعملت على استيعابه في كافَّة القِطاعات التنموية. ورغم تلك الجهود تدرك سلطنة عُمان حتمية مواصلة التخطيط العمراني الذي يواكب التطوُّر العالمي وفق استراتيجية طموحة تنطلق من رؤية عُمان 2040، وتسعى إلى تلبية متطلباتها.
ويدرك المسؤولون عن هذا الملف الحيوي أن تحقيق التوجيهات السَّامية بإحداث اللامركزية في البلاد يتطلب استراتيجية عمرانية فريدة، تسعى لتحقيق التطوُّر الحضري في إطار تنمية المحافظات والمُدن المستدامة التي تحقق تنمية جغرافية شاملة تربط المحافظات ببعضها في ظلِّ اعتماد اللامركزية المنشودة، والعمل على تحقيق الاستخدام الأمثل والمتوازن للأراضي والموارد الطبيعية المتاحة، والسَّعي إلى استثمارها بطريقة متميزة وفاعلة، تحمي البيئة وتحفظ حقوق الأجيال القادمة لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي معًا، عَبْرَ مُدن ذكية ومستدامة تعتمد على التقنيات الحديثة، وتكون نموذجًا لعُمان الغد، التي تحافظ على الذائقة الجمالية العُمانية، وتسعى إلى التوازن بَيْنَ الماضي والحاضر. ويأتي افتتاح “مدينة لوى النموذجية” التي تبلغ مساحتها (١٢) مليون متر مربع، والتي تقع بالقرب من طريق الباطنة السريع، وتستوعب حوالي (30) ألف نسمة وتتوافر بها جميع الخدمات والمرافق العامة، حيث تضمُّ وحدات سكنية يصل عددها إلى (1300) وحدة وتستوعب ما يقارب (3400) وحدة سكنية مفردة ومزدوجة، مع الأخذ في الاعتبار بتخطيط المدينة لتستوعب مستقبلًا (50) ألف نسمة من قاطني المدينة وزوارها، لِتكُونَ خير تعبير عن هذا التوجُّه العمراني الذي تسعى سلطنة عُمان إلى تطبيقه، وتأكيدًا على أنَّ المدينة الجديدة نموذج يُعبِّر عن نهضة عُمان المُتجدِّدة، لذا روعي أنْ يتمَّ الافتتاح في إطار احتفالات سلطنة عُمان بالعيد الوطني الثاني والخمسين المَجيد، بما تحمله هذه المناسبة الغالية من رمزية.
إنَّ افتتاح تلك المدينة الجديدة في ولاية لوى والتي تُعدُّ نموذجًا تخطيطيًّا متكاملًا للمُدن المستدامة، والتي تمَّ إنشاؤها على مبدأ المشاركة الفاعلة مع الجهات الحكومية ذات الصِّلة وشركات مزوِّدي الخدمات، والمشاركة المباشرة من الأهالي في كافَّة مراحل تخطيط وتصميم المدينة، يُعدُّ مثالًا حيًّا لتطبيق مبادئ التخطيط العمراني المستدام بتخطيطها لشبكات الخدمات والمرافق المجتمعية التي تغطِّي جميع أجزاء المدينة ليسهل الوصول إليها في (15) دقيقة وتلبِّي حاجة الفرد، إلى جانب تصميمها بمواصفات عالية تضمن السلامة وسهولة الصيانة والتوسعات المستقبلية، وتصميم شبكات تصريف مياه الأمطار تتوافق مع تصميم المدينة لحمايتها من مخاطر الفيضانات والأمطار الغزيرة، وتعزيز البنية الأساسية الخضراء بزيادة نسبة الفرد من المسطحات الخضراء بَيْنَ (10) إلى (12) مترًا مربعًا للفرد.