الحرب التكنولوجية، حرب الشرائح الإلكترونية للموصلات فائقة الدقة، ومنابعها، وصناعتها وتصميمها. واحدة أساسية من الحروب التجارية والتنافسية بَيْنَ الولايات المتحدة الأميركية والصين الشَّعبية. والتي يعتقد الكثيرون بأنها واحدة من الحروب الخفية الدائرة تحت الرماد.
ثورة الاتصالات كانت بداياتها الجنينية عمليًّا، أوائل خمسينيات القرن الماضي عندما تم اختراع وتركيب الجهاز الصغير المُسمَّى بـ(الترانزيستورات)، والتي جعلت من العلوم الفيزيائية وتطبيقاتها التكنولوجية العالية، في حلٍّ من الأجهزة الكبيرة التي كانت وما زالت تُسمَّى بـ”المصابيح الثنائية والثلاثية المساري”. فجاءت قطع الترانزيستور الصغيرة لتعوِّض تلك الأجهزة الإلكترونية من ثنائيات وثلاثيات المساري. فأصبح جهاز الراديو ـ على سبيل المثال ـ بحجمٍ صغير، وليس بحجمه الكبير كما كان قبل اختراع الترانزيستور. والآن تتطور تقنيات الاتصالات وتطبيقاتها مع اندلاع ثورة الشرائح الإلكترونية التي تمتاز بالموصلية العالية، وبالمواصفات التقنية المتطورة أكثر من (مائة مرَّة) عن تقنيات وعمل واستخدامات الترانزيستور، والتي باتت كأنها تُنقش على عنصر السيليكون (SI) المعروف، والذي يتربع مكانه بجدول (مندلييف) لتصنيف العناصر في الطبيعة.
القفزات الكبرى التي وقعت مع تطوير تكنولوجيا الترانزيستور، أنتج شرائح ذاكرة أو معالجات للحاسوب (للكمبيوتر) والهواتف متطورة، وقابلة للتطور اللاحق، وبتسارعٍ كبير، حتى باتت البشرية أمام ما يصفه البعض من علماء الفيزياء بفلسفة “العصر الرقمي”، وعالم أشباه الموصلات، التي تستخدم مفهوم الـ”نانومتر” وهو وحدة القياس التي تستخدم لتوصيف حجم الترانزستورات وشعاع الضوء وباقي عملية تصنيع الشرائح.
فالعالم الرقمي يقوم على شيءٍ مادِّي جدًّا، هو الترانزستور. وقد احتل موقع “المورد” الذي تحتاج إليه تلك التطبيقات في مجال تصنيع الشرائح وثورة الاتصالات المتسارعة. فالهاتف الخليوي يحوي عشر شرائح دقيقة مختلفة تقريبًا، فيما السيارة الحديثة فيها العشرات، وكذا كل الصناعات الحديثة حتى العتاد الحربي من صواريخ موجهة وغيرها.
إن “العالم الرقمي” وشرائح السليكون المتطورة عن بداياتها “الترانزستورية” تُعدُّ موردًا حيويًّا، يتركَّز جلُّ إنتاجه (تصنيع وتطوير ومواكبة) في دولٍ قليلة، بأجيال منه تتطور وتتناسل كل يوم، وهنا تقف الولايات المتحدة والصين الشَّعبية واليابان وبعض دول أوروبا في ميدان التنافس بصناعة هذا المنتج، بل والصراع بَيْنَ كلٍّ منها على الإبداع والتمايز في تطوير المنتج. والاستحواذ على مكامن وجود السليكون في العديد من دول العالم غير المنتجة للشرائح أصلًا.
وفي هذا المجال، أراد الجيش الأميركي أواخر زمن الحرب الباردة، أن يحوِّل امتيازه في هذا المجال التقني إلى تفوُّقٍ عسكري حاسم على السوفييت، وكانت تقنيات شرائح السليكون والموصلات بتطور وإلى حدودٍ معيَّنة وليست كما هي الآن، ومن هنا جاءت ثورة “الأسلحة الذكية” والذخائر الدقيقة في الغرب، وقد اعتمد البنتاجون الأميركي (وزارة الدفاع) خطَّة لمجابهة التقدُّم السوفييتي الكمِّي بالسلاح البري، عبر قفزةٍ نوعية في السلاح الأميركي، تستند إلى الشرائح الدقيقة والوصلات الفائقة، وفق القاعدة التي تقول “إن كنت تقدر على توجيه ذخائرك بدقَّة متناهية، من مئات الكيلومترات، وسلاحك أصبح ذكيًّا، ومتخمًا بالمجسَّات، فإنه يتعرَّف على الهدف ويتوجَّه إليه بنفسه”. لذلك انطلق مصطلح “قذائف وصواريخ ذكية وأخرى غبية”.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]