تمتلك سلطنة عُمان سياسة خارجيَّة راسخة واضحة المعالم، مؤسَّسة على العديد من الثوابت العامَّة، تحرص الدبلوماسيَّة العُمانيَّة على الانطلاق منها، وتعميق العلاقات مع الدوَل المختلفة، بحضور مميَّز دائمًا في المؤسَّسات العالميَّة، واحترام ملحوظ للقرارات والقوانين الدوليَّة، والسَّعي الدؤوب لكُلِّ ما من شأنه تحقيق الأمن والسِّلم العالمي، بديناميكيَّة مرِنَة وقدرة متفرِّدة على أداء دَوْر الوسيط المحايد الذي يعمل على إقرار السلام إقليميًّا وعالميًّا؛ انطلاقًا في الأساس من عدم التدخُّل في شؤون الآخرين، وإيمانًا منها بأنَّ تحقيق التنمية المستدامة الشاملة يحتاج لتعاون دوليٍّ وإقليميٍّ، في أجواء سلميَّة، تحرص على عدم تشتيت الجهود بصراعات تعوق التعاون البنَّاء الذي يخلق التطوُّر الاقتصاديَّ والسياسيَّ المنشود.
وتأتي أهميَّة القضيَّة الفلسطينيَّة بالنِّسبة للخارجيَّة العُمانيَّة انطلاقًا أولًا من إدراك سلطنة عُمان بما تُمثِّله القضيَّة الفلسطينيَّة من معضلة حقيقيَّة تعوق الاستقرار السياسيَّ والأمنيَّ، في منطقة حبلَى بصراعات متشابكة، وسيُشكِّل حلُّها العادل الشامل منطلقًا لإحداث السلام المنشود في هذه المنطقة المهمَّة عالميًّا. لذا تصرُّ السَّلطنة في كافَّة المحافل الدوليَّة على التأكيد على ضرورة إيجاد حلٍّ شامل وعادل قائم على الشرعيَّة الدوليَّة، يُحقق للفلسطينيين دَوْلتَهم، وإنهاء دولة الاحتلال الإسرائيلي لكافَّة مظاهر الاحتلال والحصار للأراضي الفلسطينيَّة، بجانب الوقوف سلطنة عُمان بصلابة مع الحقوق الشرعيَّة لأبناء فلسطين التي أقرَّتها كافَّة القرارات الأُمميَّة ذات الصِّلة، ودعم قيام دولة فلسطين المستقلَّة ضِمْنَ حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقيَّة.
وكانت كلمة السَّلطنة أمام الجمعيَّة العامَّة، في دورتها الـ77 في إطار مناقشة بنْدِ قضيَّة فلسطين، فرصةً للتأكيد على أنَّ الممارسات التي تقوم بها السُّلطات الإسرائيليَّة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة والضفَّة الغربيَّة وقِطاع غزَّة، مَبعثُ قلقٍ لدى المُجتمع الدوليِّ، والتشديد على أنَّ تلك الممارسات غير القانونيَّة الإسرائيليَّة تتعارضُ مع أحكام القانون الدوليِّ.. داعيةً المُجتمع الدوليَّ إلى إلزام سُلطات الاحتلال الإسرائيليِّ بضرورة احترام قواعد القانون الدوليِّ، وتذكيرها بمسؤوليَّاتها بعدم تعريض حياة الشَّعب الفلسطيني وغيره من السكَّان العرب في الأراضي المحتلَّة لمِثل هكذا ممارسات، كما دعَتِ المُجتمع الدوليَّ إلى النظر بإيجابيَّة في النداءات المتكررة المُطالِبة بتوفير الحماية اللازمة للشَّعب الفلسطينيِّ الرازح تحت وطأة الاحتلال.
ولعلَّ أبرز ما جاء في الكَلِمة العُمانيَّة هو التأكيد على أنَّ عدم قيام المُجتمع الدوليِّ بمسؤوليَّاته يشجِّع “إسرائيل” على المزيد من التطرُّف وسياسات التنكيل ضدَّ الشَّعب الفلسطينيِّ الذي لا يزال صامدًا حتى ينالَ حقوقَه المشروعة غيرَ القابلة للتصرف أسوةً بالشعوب الأخرى.. مُطالِبةً “إسرائيل” ـ بوصفها سُلطة الاحتلال ـ بالتوقُّف الفَوري عن ممارساتها الاستيطانيَّة وتلك الهادفة إلى تغيير الطبيعة والتركيبة الديموغرافيَّة في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، والتي هي من وجهة نظر القانون الدوليِّ، ممارسات مُخالِفة ولا أساسَ لها، وهو موقف عُمانيٌّ ثابت مدعمٌ بإيمانها الراسخ بدعم جهود ومبادرات السلام في المنطقة والعالم، ودعمها الثابت للتطلُّعات والمطالِب المشروعة للشَّعب الفلسطينيِّ، وحقِّه الإنسانيِّ في تقرير المصير.