قد يكون موقفه الأحدث لكنه ليس الوحيد الذي يحذر من خطورة الذكاء الاصطناعي، لكن الأوساط العلمية والأكاديمية توقفت عند موقف السياسي المخضرم والدبلوماسي الأميركي الشهير الدكتور هنري كيسنجر، الذي حذَّر من خطورة التطورات المتسارعة التي يقدمها العاملون في ميدان الذكاء الاصطناعي، واصفًا هذا الحقل المعرفي بأنه قد يكون “أخطر من القنبلة الذريَّة”. وعندما يطرح كيسنجر مثل هذا الرأي، فإنه يتوافق وبدون شك بما يؤيد قناعاته وتحذيراته التي تجد صداها عند الكثيرين. وهنا، ينقسم الرأي العام إلى اتجاهين متناقضين تماما، فهناك من يؤيد موقف كيسنجر بصورة مطلقة، نظرا للتأثيرات الواسعة والمتصاعدة للذكاء الاصطناعي على جوانب مختلفة من الحياة اليومية، وما يرسم من ظلال قاتمة على مستقبل سوق العمالة والأمن في العالم، واتجاه يحاول المزاوجة بين التأييد الكامل لميدان الذكاء الاصطناعي، وضرورة التنبه لما قد ينطوي عليه من خروقات في المستقبل قد تضرب في مجالات محورية في منظومات حياتية واجتماعية.
وبالتأكيد لا يغفل التوجُّهان المراحل التي شهدتها البشرية خلال القرون الأخيرة، وتحديدًا منذ انبثاق الملامح الأولى للثورة الصناعية عندما دخلت “الآلة” في مراحلها الأولى، ميادين الحياة، وكيف أسهمت في تذليل الصعاب وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي وتخفيف لكثير من الأعباء التي كانت تثقل الكثيرين وفي أحيان أخرى تقتل البشر، ثم زحفت حقبة الأتمتة لتؤشر بدايات مرحلة جديدة ومثيرة للاهتمام، خصوصا بعد أن بدأت الآلة المتطورة تسهم في الاستغناء عن بعض الأيدي العاملة في العديد من القطاعات. ومن هناك، بدأت تحذيرات البعض من خطورة التطورات على سوق العمل، وفي الوقت نفسه ظهرت تباشير زيادة الإنتاج وتنوعه وسرعة انتشاره ووصوله إلى رقع جغرافية لم يكن ليصلها في السابق.
كلنا نعرف أن التطورات المتلاحقة المشار إليها في بداية عصر الآلة، وبعد ذلك ما حصل في عالم الأتمتة قد استغرق بحدود قرن ونصف القرن، لكن ما يشهده الذكاء الاصطناعي من تطور ليس له مثيل في جانب السرعة الكبيرة التي يشهدها هذا العالم، والتوغل في ميادين الحياة التي يغزوها مثل الفيروسات هائلة الانتشار، لدرجة أن وسائل الإعلام لم تعُدْ قادرة على مجاراة الاختراعات التي تعتمد عالم الخوارزميات، وقبل الانتهاء من الدهشة في هذا المنتج ومواصفاته يتفاجأ العالم بأكثر من منتج جديد وبمواصفات مبهرة، لهذا فقد ظهرت مواقع ووكالات خبرية ومراكز بحث متخصصة بعوالم الذكاء الاصطناعي وفي مختلف اللغات والثقافات.
يزداد الخلاف بين الاصطفافات التي يشهدها العالم، والتي تتوزع بين جبهة المتحمس لدفع العلماء المشتغلين بقطاع الذكاء الاصطناعي لبذل كل ما يستطيعون لتقديم الجديد والمزيد للبشرية وفي جميع المجالات الإيجابية، وبين المحذرين من خطورة ذلك. وطالما أن التطورات كثيرة وسريعة، فإن هذا الخلاف سيتواصل لأمد غير معروف.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]