الحديث عن أزمة الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز يعود إلى فترة الصراع بين العثمانيين والبرتغاليين (1552-1554) وقد مرَّت الأزمة من وقتها بأحداث مختلفة وعديدة حتى بدايتها المعاصرة في القرن الـ21 بتاريخ العاشر من شهر مايو من العام 2019 وحتى استهداف ناقلة النفط باسيفيك زيركون في نوفمبر من العام 2022.
يُعدُّ الخليج العربي ومضيق هرمز منفذ الخليج الوحيد إلى البحار المفتوحة، وهو من أكثر المناطق البحرية والممرات المائية الدولية مجالا للصراع الدولي. وما زال هذا الخليج والمضيق محلًّا لاهتمام الدول عامة والغربية خاصة؛ باعتباره شريان الحياة لصناعاتها. ومن وجهة نظر خبراء الطاقة وشركات الملاحة يُعدُّ الممر الرئيس للعالم؛ لذا يجب على كافة الدول أن تحترم الملاحة خلاله والمرور عبر المضيق، وخصوصا الاستخدام للأغراض السلمية.
على ضوء ذلك فإن أي اضطراب أو فوضى أو صراع يمكن أن يحدث في هذه المياه سيؤدي ـ بلا شك ـ إلى أزمة خطيرة للغاية تهدد الأمن والاستقرار الدوليين، إضافة إلى ذلك فإن هناك تأثيرات أخرى خطيرة يكفي التأكيد على أن أهمها مسألة تدويل الملاحة في هذه المنطقة وإغراقها بالتدخلات الخارجية بسبب الأحداث والعمليات الإرهابية التي تستهدف القوافل والسفن التجارية والسياحية المختلفة.
في محاولة بحثية أكاديمية لتسليط الضوء على هذه البقعة الجغرافية من العالم بما يدور بها من صراعات، خصوصا قضية استهداف الناقلات، صدر لي كتاب جديد تحت عنوان: حرب الناقلات الثانية (دراسة تحليلية لحرب الناقلات وأشكال الصراع الدائر في منطقة الخليج ومضيق هرمز خلال الفترة من 10/مايو/ 2019- حتى 10/ديسمبر/2021م والنتائج المترتبة على ذلك على المستويين الإقليمي والدولي) صدر لي هذا الكتاب عن مركز المسار للإعلام والتسويق وهو مركز مقرُّه سلطنة عُمان.
تم تقسيم هذا الكتاب إلى مبحثين وأربعة مطالب على النحو الآتي: سيتناول المبحث الأول تلك المتغيرات والتحوُّلات الدولية الممهدة لاشتعال الأزمة، وكذلك طرق التعامل الدولي مع أزمة الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز، أما المبحث الثاني فسيسلط الضوء على الإدارة العُمانية لأزمة الملاحة في مضيق هرمز على اعتبار أن سلطنة عُمان تُعدُّ من أبرز الأطراف التي لامسها وما زال أثر الصراع في هذه المنطقة الحساسة والملتهبة من رقعة الشطرنج الدولية وذلك من خلال التركيز على الموقف السياسي والموقف الأمني العُماني من الأزمة وطرق التعامل معها، كما تم إفراد مبحث ثالث لاستقصاء الأحداث المتعلقة بحرب الناقلات في المضيق في الفترة من العام 2019 – 2021م، خصوصا تلك المتعلقة باختطاف أو تفجير الناقلات.
من أبرز وأهم النقاط التي تطرق إليها الكتاب ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ الأسباب المباشرة وغير المباشرة للأزمة مثل الأهميَّة الاقتصادية والتجارية لمضيق هرمز، النزاع التاريخي بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإيرانية، تحدي الشرعية الدولية من قبل أطراف الأزمة، المخاوف الأمنية لبعض دول المنطقة، التحوُّلات في العقائد العسكرية للدول، وأخيرا زيادة الفاعلين الدوليين.
تطرق الكتاب إلى السيناريوهات التي يمكن من خلالها التأثير في استقرار الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز، مثل احتمالية إغلاق المضيق أو وقوع تهديد على الناقلات والسفن كما هو حاصل اليوم أو عسكرة المضيق بسبب تدويل الملاحة كما هو حاصل اليوم أيضًا وإن كان ذلك ما زال بنسبة غير خطيرة، كذلك سيناريو زرع الألغام أو وقوع حرب شاملة، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج خطيرة للغاية تطرق إليها الكتاب كذلك مثل التأثير على أسعار النفط العالمية، ارتفاع تكاليف التأمين على السفن والبضائع.
في نهاية الكتاب تطرق الباحث إلى الإدارة العُمانية لأزمة الملاحة نتيجة الأحداث الحاصلة في الخليج العربي ومضيق هرمز عموما، والتهديدات الموجَّهة للناقلات على وجه الخصوص، حيث اختارت سلطنة عُمان وبرحابة صدر أن تمارس دور”الوسيط” من جهة و”الإِطْفَائِيّ” لعشرات الملفات الساخنة أو المشتعلة في هذه المنطقة من جهة أخرى، هذا الدور الذي مارسته بكل احترافية سياسية وأمنية بعيدا عن الأنانية والإملاءات والتفضل به على أحد، بل وكما أشار جلالة السلطان قابوس بن سعيد “طيَّب الله ثراه” وأكد قائلًا “بحكم موقع المضيق ومرور السفن من وإلى المنطقة والعالم في مياهنا الإقليمية، كانت علينا مسؤولية كبرى تجاه سلامة هذا الممر، ونحن بقدر إمكانياتنا، نراقب مراقبة دقيقة دخول السفن وخروجها في المضيق، وبحريتنا متواجدة هناك بشكل دائم”.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @