على الرغم من الحمْلة الشَّعواء التي تعرَّضت لها قطر من قِبل عددٍ من الدوَل قُبَيلَ انطلاق بطولة كأس العالم 2022، وذلك من أجْلِ ممارسة ضغوطٍ على الدوحة لِترضخَ للمطالب الغربيَّة الشاذَّة تحديدًا، فإنَّ البطولة لَمْ تنطلق رغم محاولات العرقلة ورغم أنوف أصحابها فحسْب، وإنَّما شقَّت طريقًا مغايرًا تمامًا لكُلِّ التقاليد والأعراف السَّائدة والمُصاحِبة لهذه البطولة العالميَّة. وهذا في المقياس لا يُعدُّ نجاحًا للدولة المُنظِّمة، وأعني بها دولة قطر، بَلْ إنَّ مِن حقِّ الدولة المُنظِّمة المستضيفة أنْ تُعطى الحقوق الكاملة في عمليَّة التنظيم بالتعاون مع الاتِّحاد الدوليِّ لكرةِ القدم (فيفا)، وأنْ تُراعى التقاليد والثوابت للطَّرف المُنظِّم؛ لكَيْ تخرج البطولة بالصورة اللائقة والمُشرِّفة، بعيدًا عن المظاهر الشاذَّة والمُخلَّة للآداب والذَّوق العامِّ، ومظاهر الفوضى التي تُصاحب كُلَّ مباراة غالبًا.
وفي تقديري أنَّ مَن انغمس في الشَّهوات والملذَّات والمُجون والمظاهر المُخالِفة للفطرة السويَّة لَنْ يستسلم بسهولة على النَّحو الذي رآه الجميع على أرض قطر؛ الدولة المُنظِّمة التي تمسَّكت برؤاها ومواقفها التي رأتْ في احترامها وتنفيذها صوابًا يجلب لها النجاح المطلوب ويُحقِّق الأهداف المشتركة من البطولة؛ أيْ أنَّ حالة الاستسلام الغربي تحديدًا لا يُمكِنُ عزلُها عن الظروف المُصاحِبة للبطولة التي مثَّلت دعمًا للمواقف القطريَّة، من حيثُ الزمن والأوضاع الاقتصاديَّة الكارثيَّة التي تمرُّ بها الشعوب الغربيَّة على خلفيَّة المواجهة القائمة بَيْنَ حِلف شمال الأطلسي (ناتو) وبَيْنَ روسيا الاتحاديَّة على الأرض الأوكرانيَّة، وما لا تزال تُخلِّفه من تداعيات اقتصاديَّة وأمنيَّة، وارتدادات شعبيَّة رافضة للصراع الدائر، والعقوبات الغربيَّة المفروضة على روسيا، حيث نتيجة ذلك ارتفعت نِسَبُ التضخُّم، وتفاقَمَ الوضْعُ المعيشيُّ للمواطن الغربي المُرَفَّه، فأصبح غير قادر على توفير مستلزماته المعيشيَّة والحياتيَّة.
لذلك مثَّلت بطولة كأس العالم بقطر متنفسًا للعالم الغربيِّ وشعوبه وسبيلًا لامتصاص حدَّة الاحتقان والغضب، فغابتْ تقريبًا المظاهرات اليوميَّة في شوارع العواصم والمُدن الأوروبيَّة المُطالِبة برفع الرواتب، ورفع العقوبات عن روسيا، وإنهاء الصراع، حيث انشغلت تلك الشعوب بمتابعة منتخباتها ومنتخبات الدوَل الصَّاعدة والمُشارِكة في البطولة. لكنْ في التقدير أيضًا، لَنْ تكُونَ البطولة إلَّا كحبَّة بندول تُخفِّف من صداعٍ مُزمن إذا ما استمرَّت المواجهة الأطلسيَّة الروسيَّة.
لكنْ في المقابل، أنَّ بطولة كأس العالم في قطر 2022م سيُسجِّل لها التاريخ أنَّها حدَثٌ مختلفٌ تمامًا عن بقيَّة البطولات السابقة واللاحقة، لجهة ما وثَّقته البطولة وحقَّقته من انتصارات وانكسارات وهزائم. ولعلَّ أوَّلَ انتصاراتها وأبْرَزَها هو الألَقُ الكبير للقضيَّة الفلسطينيَّة والحضور الطاغي لها على المدرجات وفي الشوارع، ليس فقط على مستوى الشعوب العربيَّة، وإنَّما على مستوى الكثير من أبناء الشعوب الأجنبيَّة الحاضرة لمشاهدة البطولة، وتوجيه صفعة قويَّة لمسار التطبيع الذي يقوده كيان الاحتلال الإسرائيلي. فقد أخذ العَلَم الفلسطينيُّ يرفرف أمام الجميع بمَنْ فيهم المُحتلون الذين أصيبوا بانكسار وخيبة أمَلٍ بعدما خُدعوا ببعض المظاهر الشاذَّة والخارجة عن القِيَم والثوابت العربيَّة والإسلاميَّة بأنهم باتوا مقبولين عربيًّا وإسلاميًّا. أمَّا أبرز خسائر البطولة وانتكاساتها فيتمثل في الضربة القاصمة المزدوجة لدعاة المِثليَّة الجنسيَّة وحاملي رايتها وألوانها، وذلك بخروجهم المُذِل من البطولة ومن الدَّور الأوَّل، والقوانين الصارمة والرادعة المُطبَّقة من قِبَل دولة قطر. وغير ذلك من الانتصارات والانكسارات والهزائم والخيبات التي ستجعل بطولة كأس العالم في قطر 2022 حدثًا تاريخيًّا بامتياز لا مَثيلَ له. على أنَّه لا بُدَّ من التأكيد بأنَّ مشروع نَشْرِ المِثليَّة مُخطَّطٌ غربيٌّ آخر خبيثٌ تعمل عليه الدوَل الغربيَّة، وتبذُل كُلَّ جهودها وطاقاتها ومقدَّراتها لكسْرِ روسيا في أوكرانيا لِتتمكَّنَ من تعميم شرِّه المستطير.
خميس بن حبيب التوبي
[email protected]