وسط هذا التغيُّر المناخي المتنامي الذي بات يُشكِّل خطورة على الوجود الإنساني، تُعدُّ المنطقة العربية من المناطق شديدة التأثر بالنتائج الكارثية الناتجة عن التدمير البيئي الذي تحدثه الدول المتقدمة. فهناك مدن تاريخية كبرى في المنطقة العربية مثل الإسكندرية المصرية مهددة بالاندثار، وذلك نتيجة الذوبان السريع للأنهار الجليدية، وإطلاق كميات هائلة من المياه العذبة في المحيطات، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر، وإلى اندثار المدن الساحلية المنخفضة، إلا أن خطر الذوبان السريع للأنهار الجليدية لا يقف عند اندثار المدن، لكنه بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الطبقات العليا يؤدي إلى خلل في إمدادات المياه العذبة، ما يعمق من ندرة في المياه، خصوصا في المنطقة العربية.
فرغم أن أزمة ندرة المياه في منطقتنا ليس وليدة اللحظة، لكنها تعمقت ـ كما أسلفنا ـ بفعل التغيُّر المناخي، لذا فبالرغم من فجاعة اختفاء مدينة مثل الإسكندرية، إلا أن ندرة المياه التي تُعدُّ الحياة، تُشكِّل خطرا وجوديا للجنس البشري عموما وفي منقطتنا على وجه الخصوص، فهناك 10 دول عربية تُعدُّ من الأكثر ارتفاعا في الإجهاد المائي، يتراوح بين إجهاد مائي مرتفع أو مرتفع جدا. فتراجع وفرة الماء العذب ـ وفق خبراء ـ قد يؤدي إلى تراجع وفرة المياه في المدن بنسبة تصل إلى الثلثين بحلول عام 2050، ما سيؤثر على معدلات النمو ويجعلها تتراجع بنسبة تصل إلى 6 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي بحلول عام 2050 بسبب الآثار المرتبطة بالمياه على الزراعة والصحة والدخل. تلك التحذيرات، التي يطلقها الخبراء المختصون، تفرض على المنطقة العربية تحركا سريعا وفعالا؛ لمواجهة أزمة المياه الحالية والمستقبلية، خصوصا وأن هناك اعتداءات جلية على الحقوق المائية للعديد من الدول العربية مثل فلسطين وسوريا والعراق ومصر والسودان، وهو ما يستلزم موقفا عربيا عمليا موحدا، يحفظ تلك الحقوق التاريخية، ويعمل على إيجاد حلول عربية تكاملية تعمل على مواجهة ندرة المياه. ولعل المؤتمر العربي الرابع للمياه كان فرصة مواتية لوضع خريطة عامة تسعى لمواجهة ندرة المياه في المنطقة، ومواجهة الاعتداءات على الحقوق المائية لكافة الدول العربية، ويبقى تنفيذ توصيات المؤتمر على أرض الواقع، بعيدا عن المطالبات والمناشدات، ضرورة تظهر للجميع إدراك العرب لخطورة الوضع الحالي. فالوضع كارثي في فلسطين ومواصلة الكيان الغاصب لسرقة المياه الفلسطينية بالسيطرة شبه الكاملة على المصادر المائية الفلسطينية، وإنكار حق الفلسطينيين في الاستخدام المنصف والمعقول لمواردهم المائية، وعدم اتخاذ موقف موحَّد من قضايا حقوق المياه العربية، التي باتت تتعرض إلى الاعتداءات الإقليمية بشكلٍ فج، يعبِّر عن ضعف الموقف العربي الموحد. فقضية المياه تصلح لأن تكون منطلقا لعمل عربي مشترك، يتعاون تقنيا ويرفع من قدراتنا المائية، ويعمل ككتلة واحدة تسعى لضمان الحقوق المائية العربية، أما الاستمرار في إصدار البيانات والتوصيات دون تحرك عملي فاعل فلن يحقق المرجو.
إبراهيم بدوي
[email protected]