ألقَتِ الأزمات العالميَّة المتتالية بظلالها على الوضع الاقتصاديِّ العالميِّ بشكلٍ مُخيف، وبات مئات الملايين من البَشَر متضرِّرين من هذا الوضع الكارثيِّ، الناتج عن النزعات والكوارث وأزمات المناخ، ويأتي الأطفال كأبرز المتضرِّرين من تلك الأزمات. فبينما تكافح كافَّة دوَل العالم المُتقدِّمة منها والنامية والناشئة الآثار المُدمِّرة للنزاعات المسلَّحة وفيروس كورونا “كوفيد-19” وتغيُّر المناخ، يعيش ملايين الأطفال تجارب مروِّعة تسلب منهم الأحلام وتحرمهم من مستقبَلٍ أفضل، مستقبَلٍ لا يحتاجونه هم فقط، لكنَّ البَشريَّة جمعاء تحتاجه، فهم، وإن كانوا أبناء الحاضر، بناةُ المستقبَل، ونحتاج نحن لكَيْ نؤهلهم لتحمُّل تلك المسؤولية، ونوفِّر لهم الأدوات اللازمة، من خدمة صحيَّة فائقة، وتعليم عالي الجودة يخرجهم من براثن الفقر والجهل والمَرض.
وهذا واجبٌ عالميٌّ يَجِبُ أنْ تتكاتف كافَّة دوَل العالم للعمل على وقف تأثُّر الأطفال بالأزمات والتداعيات السياسيَّة والاقتصاديَّة التي أوجدناها بأيدينا، وذلك لضمان مستقبَلٍ أفضل للبَشريَّة جمعاء، وأولى تلك الخطوات هي تلبية مناشدة منظَّمة الأُمم المُتَّحدة للطفولة “اليونيسف”، والتي طالبت فيها المُجتمع الدوليَّ بتوفير تمويلٍ طارئٍ بقيمة (10.3) مليار دولار لدعم الأطفال المتضرِّرين من النزاعات والكوارث وأزمات المناخ في جميع أنحاء العالم؛ للوصول إلى أكثر من (173) مليون شخص، بما في ذلك (110) ملايين طفل في (155) دولة خلال عام 2023، وهي أرقام تؤكِّد أنَّ أطفال البَشريَّة يواجهون أكبر تهديد منذ أكثر من (75) عامًا. إنَّ الصَّمت وتجاهُل تلك المناشدة سيكُونُ له دَوْرٌ في رفْع أعداد الأطفال الجوعى، أو الذين يتسرَّبون من التعليم، أو الذين يتعرَّضون للإساءة، وسترتفع نسبة الفقر بَيْنَ الأطفال، وسنرصد ظواهر تتفاقَمُ مِثل زواج القاصرات، وعمالة الأطفال، حتى في الدوَل التي كانت بعيدة عن تلك المظاهر، كما أنَّ عددَ الأطفال الذين يحصلون على الرعاية الصحيَّة واللقاحات والغذاء الكافي والخدمات الأساسيَّة آخِذٌ في الانخفاض، فالتجاهُل يعني بوضوح أنَّ العالم سيعود لعصوره الوسطى، وسينتج عن الإهمال، تنامي ظاهرة الإرهاب التي تنمو في رحم الفقر والجهل والمَرض. باختصار، سنعود إلى الوراء بدلًا من أنْ نمضيَ إلى الأمام، ونرسمَ مستقبلًا أفضلَ لعقول المستقبَل وسواعده، التي ستعمل وتبتكر.
إنَّ هناك عددًا أكبر من الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانيَّة أكثر من أيِّ وقتٍ، فالأطفال في جميع أنحاء العالم يواجهون “مزيجًا من الأزمات بسببِ الصراع والنزوح”، ومن تفشِّي الأمراض وارتفاع معدَّلات سوء التغذية، لذا فمن الأهميَّة بمكان أنْ يكُونَ لدَيْنا الدَّعم المناسب للوصول إلى الأطفال بعملٍ إنسانيٍّ حاسم وفي الوقت المناسب، وهو ما يتلاقى مع دعوة منظَّمة الأُمم المُتَّحدة للطفولة إلى إيجاد الحلول لدعم أولئك الذين سيواجهون الخسائر والأضرار بالنسبة للأطفال، وسدِّ فجوة التمويل، وعلَيْنا أنْ نبدأَ من الآن، فالعودة إلى ما قَبْل الأزمات والاستقرار تحتاج، في أفضلِ السيناريوهات التي توقَّعها الخبراء، سبعًا إلى ثماني سنواتٍ للتَّعافي والعودة إلى مستويات ما قَبْل جائحة (كوفيد 19).