أزعم لنفسي أنني من المتابعين لمسيرة رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، فقد التقيته عندما كان يتولى حقيبة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وأذهلتني مواظبته على قطع ذيول الفساد التي ارتبطت بحقوق الرعاية الاجتماعية للعوائل الفقيرة.
لقد أجريت معه حوارًا قصيرًا حينها، لم يكن للنشر، بل للتعرف على رؤيته الحكومية، كما تابعته أيضًا من خلال ما ينشره بَيْنَ الحين والآخر، ومن قراءة لشخصيته تبَيْنَ لي أن شأنه شأن العديد من العراقيين الجنوبيين تظلله مسحة حزن، وأسئلة، وتطلع في مزيج تاريخي لا تفتقر له أية شخصية جنوبية عراقية أخرى..
إنَّ ما يدعم مسؤوليته الجديدة أنه نزيه لم تستطع الشكوك أن ترقى إليه رغم كل ما يزخر به بعض الإعلام العراقي من إطاحات ومحاولات تلويث وتنديد وتشهير وضحك على ذقون، واختلاطات يغذِّيها الفساد والنزعات الحصصية والضغوط الإقليمية والدولية، والتركة الثقيلة التي ورثها من الحكومات السابقة مع قائمة طويلة من مطالب العراقيين، بعضها محق والبعض الآخر ينظر إلى الحكومة على أنها مجرد جمعية خيرية عليها أن توفر له ما يحتاج من وظيفة وخدمات دون أن يحرك ساكنًا بما يتطلب منه الواجب الوطني من دور إيجابي في الاستجابة لحقوق الدولة عليه، وتلك أحد أكبر التحديات المعقَّدة البنيوية التي تواجه العراق الآن.
إنَّ الإعانة التي ينبغي أن تتوافر للسوداني لا بُدَّ أن تقوم على عدد من الأسبقيات الإجرائية المنصفة، فلا يجوز القياس على الخطوات التي اعتمدها حتى الآن، وبمعنى مضاف ليس من الإنصاف أن ننتظر منه حلولًا عاجلةً وباليد لكل المشاكل التي تعرَّض ويتعرَّض لها العراق في أكثر من ميدان واحد.
إنَّ من المنطق أن تُعطى له فترة ترقب يجد مجاله بالمزيد من السماح القائم على إيجاد نقطة وسطية ترضي الأطراف جميعًا دون أن تخلَّ بأسبقيات الحاجات المتفاقمة، وهكذا هناك مظلومية للسوداني نفسه إذا ضغطت الأطراف السياسية العراقية عليه من منطلق مطالبها الحصصية المجردة من أية استحقاقات وطنية جامعة، وأرادت تلك الأطراف المطالب بالنسخة العاجلة لإرضاء حاشياتها المتنوعة.
إنَّ هناك حاجة ملحَّة للعراق تقوم على اعتماد عيادات تفحص بدقة ما ينبغي الاتقاء منه، أو معالجته من الجذور وهذا يتطلب هامشًا زمنيًّا معينًا.
كما أن ما يحتاجه السوداني ترويض المشاكل التي ضربت العراق، بعضها لأسباب ذاتية والبعض الآخر نتيجة تحدِّيات تتعلق بنزعات الاستحواذ ونفوذ هذا الطرف أو ذاك.
عمومًا أن المشاكل القائمة المستعصية بأفرع ثلاثة وبدعامات سميكة، أولها يتعلق بالضغط الريعي النفطي الذي ما زال يهيمن على الاقتصاد العراقي، حيث لا يجدي معه أي علاج تسكيني، إذ سرعان ما تزول تأثيراته العلاجية مع أي مطب يتعرض له، والثاني يتعلق بالتصدي إلى بيئة الفساد وكأني به في هذا المجال يسير في درب يزدحم بالأفاعي المدربة على النهش الشديد إن لم يكن على فرضية التسميم المطلق.
والتحدي الثالث يتعلق بملف العلاقات الإقليمية مع دول الجوار الذي يُعدُّ واحدًا من التحدِّيات الصعبة لوجستيًّا إذا واصلت هذه الأطراف التمسك بنفوذها وليس بالمصالح المشتركة المتبادلة ذات المنافع المشروعة. إنَّ بعض الأطراف السياسية العراقية الفاعلة منخرطة في مضاربات هذا النفوذ، وإذا كنت قد قلت إن على السوداني التسلح بمتلازمة البحار العربي ابن ماجد في المتابعة اليقظة لمتغيرات الأمواج يكون الله في عونه مع كثرة الأمواج العاتية..
عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]