الحرب المُستعرة تحت الرماد المشتعل بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية، تأخذ وجهات وأشكالًا مُتعددة، منها المُهم الذي له علاقة بالمسائل والقضايا الاقتصادية والاستثمارات التي يجري توظيفها وإنجازها على امتداد العالم، مع تمدُّد النشاط الاقتصادي الصيني من إفريقيا إلى أميركا اللاتينية، وقد صدرت موجة من الاتهامات وبشكلٍ متتالٍ ودون توقف، من قبل واشنطن وبعض دول الغرب عبر وسائل الإعلام المختلفة للصين الشعبية، بعد تقرير صدر قبل فترة عن جامعة هارفارد. وردت في نصٍّ منه الجملة الآتية: “إن الصين في الوقت الذي تعمل فيه على دفع تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، تقدم للدول النامية قروضًا لا قدرة للأخيرة على سدادها، لتوقع بها في فخ وكمين الديون”. وبالتالي في استخدام الديون كأداة للتحكم بالدول إياها والتأثير عليها.
وفي حقيقة الأمر، بدأت الدول الغربية عمومًا، وخصوصًا الولايات المتحدة، بالحديث عن “فخ وكمين الديون” الصيني منذ ثمانينيات القرن الماضي بعد قيام الحركة الإصلاحية في الصين والانفتاح الاقتصادي الخارجي بقيادة الرئيس (دنج سياو بينج)، عندما تم استخدام هذا المفهوم حول المساعدات الصينية لدول في آسيا ولإفريقيا، وتم إلباس الصين تهمة “الاستعمار الجديد” من قبل دول الغرب. بل إن عددًا من الساسة الأوروبيين، يعتقدون أن الصين الشعبية لا تطمح للاقتصاد والتجارة فحسب، بل تسعى أيضًا للتأثير سياسيًّا على الدول التي تتعاطى معها بالاستثمارات والديون.
وأكثر ما يُثير الحساسية عند الطرف الأميركي، أن الصين بدأت منذ عقدين من الزمن بتوسيع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع دول في القارة الأميركية الجنوبية، والتي تعدُّها الولايات المتحدة بمثابة “حديقتها وفناءها الخلفي”. فقد ارتفع حجم المبادلات التجارية بين الصين ودول أميركا الجنوبية، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وانضمت بعض بلدان أميركا الجنوبية إلى مبادرة “الحزام والطريق” التي ترمي إلى ترسيخ قدَم الصين في جنوب القارة الأميركية، ما أدَّى إلى انزعاج حكومة الولايات المتحدة، وفقَ تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي زار في الفترات الأخيرة كلًّا من: كولومبيا وتشيلي وبيرو، بعد نحو شهر واحد من زيارته المكسيك، بهدف تعزيز التبادل التجاري في منطقةٍ شهدت تطوّرًا سريعًا لعلاقاتها مع الصين، حيث تُفيد بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي المنشورة عبر أكثر من مطبوعة ووسيلة إعلامية، نمو التجارة بين الصين ودول أميركا الجنوبية من 12 مليار دولار، سنة 2000 إلى 315 مليار دولار، سنة 2020، ويتوقع أن تتجاوز قيمتها 700 مليار دولار سنة 2035، واقترضت حكومات أميركا الجنوبية 137 مليار دولار، من الحكومة الصينية، بين سنتَيْ 2005 و2020، لتمويل مشاريع الطاقة والبنية التحتية والمواد الخام. وارتفعت كذلك مع دول إفريقية، ومنها جنوب إفريقيا الشريك الاقتصادي الإفريقي الأول للصين، فقد بلغت قيمة التجارة بينهما عند حدود 54 بليون دولار في عام 2021، وبحصَّة 21% من إجمالي تجارة الصين الإفريقية.
وعليه، نحن الآن أمام عنوان أميركي جديد، وفزاعة لدول العالم عنوانها “كمين الديون الخارجية الصينية”.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]