فرضت التنافسية الاقتصادية بَيْنَ دول العالم، خصوصًا مع دخول الثورة الصناعية الرابعة القائمة في الأساس على المعرفة والابتكار، الاهتمام بالبحث العلمي في كافَّة المجالات والأصعدة، حيث أصبح العالم في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة المثمرة التي تكفل الراحة والرفاهية للإنسان، وتضمن للدولة التفوُّق في الميادين الاقتصادية المختلفة. لذا وفَّرت الدوَل الراغبة في تحقيق التنمية المستدامة الشاملة للبحث العلمي كُلَّ ما يحتاجه من متطلبات سواء كانت مادية أو معنوية، إدراكًا منها بأنَّ عظمتها وتفوُّقها يرجعان إلى قدرات أبنائها العلمية والفكرية، فهو أداة فريدة للبقاء على صلة مع عالمنا المعقَّد المتطوِّر دائمًا، ومن يخرج من مضماره سيظلُّ يعتمد على ما يقدِّمه له الآخرون من حلول قد لا تناسبه.
وقد أدركت سلطنة عُمان أهميَّة البحث العلمي في مساعيها نَحْوَ إقامة دولة متقدِّمة عصرية، وعملت على وضع أولويات التعليم والبحث العلمي والابتكار في رؤيتها الوطنية 2040، حيث تسعى الرؤية الطموحة إلى التطوير المستمر للقدرات الوطنية البحثية عَبْرَ توفير مصادر تمويل متنوِّعة ومستدامة يتكامل بها الدَّور الحكومي والخاص لتحقيق الأهداف المرجوَّة، وعملت وفق التوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ على إيجاد نظام تعليمي محفِّز يدعم الابتكار، ويُكسب الأفراد المهارات التي تساعد على رفع مستويات الإنتاجية وتحسين كفاءة الاقتصاد، ورفع إسهام المشاريع البحثية في بناء اقتصاد قويٍّ مبنيٍّ على المعرفة والأدلَّة العلمية، وإيجاد حلول علمية وتطبيقية تركز على الأولويات الوطنية في شتَّى المجالات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي إطار تحويل المعرفة إلى عائد اقتصادي والذي تنتهجه رؤية عمان 2040، فقد أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عن تمويل (349) مقترحًا بحثيًّا بقيمة إجمالية بلغت مليونًا و953 ألفًا و272 ريالًا عُمانيًّا ضمن برنامج دعم البحوث (المؤسَّسي والمبني على الكفاءة) للعام الجاري، وذلك بهدف بناء السعة البحثية المحلِّية، وتوفير بيئة بحثية محفِّزة للبحث العلمي والباحثين وبناء قدراتهم بمختلف مستوياتهم الأكاديمية، حيث إنَّ التمويل إحدى الأدوات المهمَّة والجوهرية في إقامة منظومة بحثية تصنع الفارق في المستقبل، وتجعل من البحث العلمي إحدى أدوات التنمية الرئيسة.
إنَّ سلطنة عُمان حرصت على تطوير برنامج دعم البحوث (المؤسَّسي المَبني على الكفاءة) ليواكب متطلبات المرحلة، ويتيح للمؤسَّسات مجالًا أوسع لتقديم بحوث تنافسية بعد تقييمها وتقديمها كحزمة واحدة، ويسعى إلى تفعيل دَوْر المؤسَّسات الأكاديمية والبحثية ومنحها صلاحيات أكبر، وإعطائها فرصة لتطوير وإدارة برامجها البحثية ذاتيًّا، كما يتيح لها أيضًا القيام بالمتابعة التفصيلية للمشروعات البحثية إلكترونيًّا، حيث يركز هذا البرنامج على دعم البحوث التي تسهم في تنفيذ الأولويات الوطنية وتحقيق نتائج عملية قابلة للتطبيق، تعود بالفائدة على الوطن والمواطن، وتحقق التقدُّم العلمي والاقتصادي الذي تنشده البلاد، ويجعل اقتصادنا الوطني قائمًا على المعرفة والابتكار.