يجمع خبراء التنمية والباحثون عن الموارد التي تساعد في القضاء على الفقر بالعديد من بلدان العالم، وخلاصة البحث نتجت عن فكر موجز ملخصه أن أي دولة من دول العالم المحدودة الدخل لديها الإمكانية لتحقيق نمو اقتصادي، شريطة البحث عن ما تملكه هذه الدولة من إمكانات محلية لم تستغل من قبل، واستغلالها الاستغلال الأمثل، شريطة وجود إرادة تلتزم بالشفافية والقضاء على أي عنصر من عناصر الفساد أو عديمي الخبرة، والتجارب أثبتت أن هذه الفكرة أو النظرية أثبتت صوابها ونجحت كثيرًا في بعض البلدان. وعلى سبيل المثال، فإن الاقتصاد الفقير الزراعي يستطيع أن يحوِّل نفسه إلى اقتصاد متوسط الدخل ثم يتحول إلى مرتفع الدخل خلال الفترة ما بَيْنَ الجيل والآخر باستخدام الطرق الزراعية الحديثة.
كما أن استغلال الفرص بتبني نقل الصناعات الخفيفة من الدول الصناعية الكبرى إلى الدول ذات الدخل المحدود يُعدُّ إحدى السُّبل في انتشال الدول من الفقر ونقلها مرحليا إلى دول ذات تنمية أفضل، والأمثلة عديدة في هذا الأمر بالتحديد، والأكثر بروزا هو الصين التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد عالميا، وتمكنت من تحويل نفسها من أفقر الدول إلى أضخم اقتصاد بالعالم، وأحسنت استغلال أكثر من سُدس سكان العالم “1.4 مليار نسمة” تعدادها من القوى البشرية لتصبح منتجة، حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي 12,23 تريليون دولار، فيما تبلغ حصتها من إجمالي الناتج العالمي 15,12%، وثاني الأمثلة هو اليابان التي أصبحت الآن من الاقتصادات الأولى عالميا، ويأتي ترتيبها في المركز الثالث بناتج محلِّي إجمالي يبلغ 4,87 تريليون دولار، والحصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 6.20%، ووصلت اليابان إلى هذه المرحلة بعد استخدامها الصناعات ذات الكثافة العمالية مثل المنسوجات والإلكترونيات في مرحلة من أصعب مراحلها الاقتصادية بعد خروجها مهزومة من الحرب العالمية الثانية، وسارت على خطاها بعض الدول كنموذج للتحوُّل من الدول محدودة الدخل القومي التي يغلب على شعوبها الفقر إلى دول صناعية ناشئة تبدأ بالبحث عما تتمتع به من إمكانات محلية مع خبرة لدول سبقتها، ثم تتحول إلى دول صناعية كبرى يطلق عليها مُسمى النمور الآسيوية.
كذلك تُعدُّ القارة السمراء (إفريقيا) هي أكثر القارات القابعة تحت خطوط الفقر بسبب الحروب الأهلية التي اجتاحت بعض بلدانها، وعدم استغلال مواردها التي تشكِّل إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي والإنتاجية الزراعية، وقد أتيح لبعض دول القارة السمراء الفرصة للتنمية نتيجة تمتعها بتوافر الأيادي العاملة الرخيصة، ما دفع بعض الدول الكبرى صناعيا، وفي المقدمة منها الصين، إلى إنشاء مناطق صناعية كبرى في بعض دول القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية، سواء تحت الأرض من بترول ومعادن، أو فوق الأرض من خلال الأراضي الخصبة القابلة للزراعة وهي تبلغ حوالي 930 مليون هكتار لا يستغل منها إلا النصف تقريبا، مع عدد سكان يبلغ حوالي 2.4 بليون نسمة يغلب عليهم نسبة الشباب حيث تصل إلى حوالي 69%، ويوجد بها حوالي 224 مليون نسمة يعانون من سوء التغذية في الوقت الذي يوجد لديها عمال زراعيون فائضون.
إنَّ الاقتصاد هو العمود الفقري لأي دولة تحلم بمستقبل أفضل لشعوبها، عن طريق الاقتصاد القوي، سواء كان زراعيا أو صناعيا يمهد الطريق لتوافر السُّبل من أجل إنشاء مستويات تعليمية حديثة أفضل، تُبنى على التكنولوجيا والعلم من خلال توفير الموارد اللازمة لذلك، تسهم بإنشاء حياة صحية أفضل لأجيال تستطيع الابتكار والسير على خطى التنمية، والسبيل في ذلك كله هو الشفافية والقضاء على الفساد ووضع خطط طموحة ومخلصة لبناء اقتصادات الدول يُبنى على اكتشاف مواردها وإمكاناتها الحقيقية من قوى بشرية وموارد طبيعية.
جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير « »