عرض ـ محمد عبدالصادق: 
صدر مؤخرا الجزء الثاني من مذكرات مريم السنانية، الناشر مكتبة بذور التميز، الكتاب يقع في 190 صفحة من القطع الصغير، زينه غلاف لباب خشبي عتيق، تصوير عيسى بن سلام اليعقوبي، تبحر بنا مريم من خلال صفحات الكتاب، في سرد حكايات مليئة بالشجن والعاطفة الجياشة، تذكرنا بأيام الطفولة، وتأخذنا في رحلة مع دروب الحياة بحلوها ومرها، عنونت الكتاب بعبارة (هي الأقدار وليس ذنبنا) تقول في المقدمة: إن الحياة محطات وكل محطة مليئة بالذكريات سواء كانت هذه الذكريات سعيدة أم حزينة أو مؤلمة، فإنها في كلتا الحالتين تنتهي عندما يتحلى الإنسان بالصبر وقوة الإيمان والتحمل. 
تهدي مريم قصتها إلى كل عزيز على قلبها وكل من شاطرها أحزانها وانتكاساتها، إلى كل وفي لم يطلق رجليه للريح ويتوارى بين الزحام، وكل من صمد ووقف بجانبها ومسح دمعتها وواساها، فهم بالنسبة لها بمثابة النجوم التي أضاءت لياليها الظلماء ببريق لمعانهم. 
تبدأ السنانية حكايتها في العام 1970م بعنوان في السفينة، تقول: أهل الخليج أهل تجارة وأسفار منذ القدم، وكان البحر مصدر رزقهم، أبي وأعمامي وأخوالي، لا يختلفون عن أهل المنطقة، كانوا أهل بحر وكانت السفن هي وسيلة النقل للأماكن البعيدة آنذاك. 
ثم تصف مدينة البطين، تلك المدينة الجميلة بأهلها الكرماء وبيوتها الرائعة المنتشرة هنا وهناك، كأنها عقد لؤلؤ انفردت حباته وتناثرت على تلك الرمال البيضاء الساحرة، فشكلت تلك الأزقة والسكك الآمنة التي يتوسطها مسجد جميل في ريعان شبابه، فقد بني حديثا قريبا من بيوت الأهالي، يزهو بلونه الأخضر الباهي، كان مسجدا للعبادة وساحته مكانا للعب الأطفال، وفي أطراف القرية مدرستان متجاورتان واحدة للبنين وأخرى للبنات. 
وعندما تتطرق مريم إلى الذكريات الحزينة، تقول: دخلت غرفتي ألقيت نظرة على أخوتي مازالوا في سباتهم العميق، ذهبت إلى حيث ملابسي معلقة في الخزانة، والتي كنت سأذهب اليوم مرتدية إياها إلى المدرسة، ولكن الظاهر أن كل شيء سيتبخر، أخذت أقلب الملابس يمنة ويسرة، وفي قلبي الصغير حزن وحسرة، وخوف أن لا يفي أبي بوعده، فلا يأخذني إلى المدرسة. 
وعن اليوم الأول في المدرسة تقول: جلست في الفصل صامتة، لا أتكلم بينما هناك بعض التلميذات الصغيرات يبكين بشدة رافضات الجلوس داخل الفصل، وبعضهن مع أمهاتهن في داخل الفصل، دخلت المعلمة نائلة بجسمها الممتلئ وشعرها الناعم الأصفر، وكعبها العالي الذي يحدث صريرا مزعجا، كلما مشت به على البلاط... لم أشعر إلا بكف على رأسي كاد يفقدني وعيي وتوازني، بل كدت أسقط من على الكرسي الصغير مغشيا علي، لقد فاجأتني بتلك الصفعة، كتمت غيظي وكاد الدمع يفر من عيني، ولم أنتبه لصرختها وهي تقول انتباه الجميع ينتبه، ..توجهت إلى السبورة وخطت بالطبشورة حرف الألف، ثم قالت: من تأتي لتكتب حرف الألف، رفعنا أيدينا الصغيرة، فاختارتني لأكون أول من يبدأ بكتابة الحرف، خرجت أجر أذيال الخجل والقهر من جراء ضربتها القاسية. 
وبعنوان في نادي الأطفال تقول: فتحت عيني على صوت أبي، في ذلك اليوم الغائم يوقظني من النوم، فتحت عيني أنظر إليه وهو مادا يده إلى كي يساعدني على الوقوف، نهضت من سريري، وبعد أن انتهيت من غسل وجهي وأسناني اجتمعنا على سفرة الإفطار، لبست ملابس المدرسة وارتديت جواربي وحذائي وخرجت وراء أخي، ..جاءت حصة الموسيقى، أخذت المعلمة تعطي كل تلميذة أداة معينة وتشرح لنا مهمتها واسمها، بعد ذلك اختارت عددا من الطالبات التي وجدت لديهن استعدادا كبيرا في عملية الحفظ وكنت من بين المختارات، وقالت هذه الفقرة ستعرض في نادي الأطفال، وجاء اليوم الذي سنذهب فيه إلى نادي الأطفال لنسجل فيه فقرتنا التي ستعرض يوم الجمعة، طلبت منا المعلمة إخبار أولياء أمورنا، ذهبت إلى البيت وأنا أقفز من الفرح، أحسست بنشاط غريب، نادي الأطفال في ذلك الزمان كان المتنزه الثاني بعد اللعب، كنت أعشق هذا البرنامج وأحرص على مشاهدته، كان أقصى أمنيتي أن أرى نفسي على التلفزيون.
 وتمضي الكاتبة تسرد حكايات من سيرتها الذاتية، وتتوقف بنا في محطات مفصلية أثرت في مجريات حياتها.