تبقى شبكات الطرق ووسائل النقل المختلفة هي من أولويات خطط وبرامج الدول خاصة النامية منها، فهو قطاع مرتبط بشكل مباشرة بحياة الشعوب وتقدمها وبرامجها وخططها المستقبلية، قطاع يلتقي بالكثير من المصالح المجتمعية، ويسهم بتعزيز الإنتاجية والنهوض بالقطاعات الاقتصادية، عنصر مهم لجذب وتشجيع الاستثمار المحلية والأجنبية بوجود شبكة متكاملة من وسائل النقل الحديثة التي بمقدورها استيعاب الحراك السكاني والاقتصادي والعمراني وتسريع الأعمال وتسهيل عملية التواصل والاتصال بين الجميع، ولذلك سعت الدول لدراسة واقع شبكات الطرق والنقل عبر استحداث أساليب جديدة مبتكرة في برامجها وخططها التي تراعي الكثير من المتغيرات العمرانية والاقتصادية من جهة، وتلبي حاجة المواطن والمستثمر والمقيم من خدمات النقل المتطورة والحديثة، وتعالج إشكاليات الازدحام المروري من جهة أخرى، وهو ما عزز من فرص الاستثمار، ورفع من مستويات الرضى، وساهم في اختصار الجهد والوقت الذي يمكن أن يقضيه شخص لقطع مسافة تتراوح بين 10 إلى 20 كم في حدود ساعتين أو أكثر.
هذا يقودنا للحديث عن موضوع الازدحام المروري وتحديدا في محافظة مسقط فهو ليس بالجديد بل مضى الحديث عنه سنوات إلا أن المشكلة بقيت حاضرة رغم ما بذل ويبذل من جهود لاحتواء مشكلة الازدحام في الكثير من المناطق، لكنها ظلت معالجات وقتية، لتعود المشكلة بالظهور من جديد، ولنبقى في نفس الدائرة نبحث حلول “وقتية” وبتكلفة مالية عالية.
لقد وقعت الجهات المختصة بالتخطيط في الكثير من المشاكل ، وبدلا من أن تعالج المشكلة في المناطق الحديثة على سبيل المثال ولايات السيب وبوشر والعامرات كونها من المناطق الجديدة التي كانت بحاجة لتخطيط حديث يتماشى مع رؤية وتوجهات الدولة في تلك الفترة، إلا أن مشكلة الازدحام المروري تحديدا سجلت معدلات مرتفعة بهذه المناطق نتيجة التخطيط العشوائي وغياب الرؤية التي تراعي متطلبات المستقبل، عندما تم تحويل مخططات سكنية إلى مخططات تجارية وسكنية تجارية، وهو بالتالي ما شكل ضغطا على مختلف الخدمات وفي مقدمتها الطرق الضحية الأكبر لمشكلة التخطيط العشوائي الذي طال العديد من مناطق المحافظة، يتحمل تبعاتها اليوم الجميع أفرادا ومؤسسات.
اليوم ربما أصبحت البدائل محدودة بالنظر إلى الوضع الذي آل إليه واقع الطرق ببعض مناطق مسقط تحديدا، باتت محصورة بين بنايات ومشاريع وخطوط كهرباء ومياه قد لا يتعدى بعضها 3 أمتار عن مسار الطريق، بعد أن تم المساس بحرمات الطرق، وبتنا ندفع تعويضات بملايين الريالات لنعيد الوضع لما كان عليه قبل مرحلة “ الاعتداء” وهو ما رفع من تكلفة توسعة مشاريع الطرق، فيما بقي الجزء الآخر يبحث عن بدائل تخفف من حدة الازدحام.
استمرار وضع الطرق في محافظة مسقط على ما هو عليه ستكون له نتائج عكسية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وجهود الحكومة في إيجاد بدائل ومسارات جديدة تبقى محدودة خاصة وأن مسقط مقبلة على حراك اقتصادي واستثماري ونمو سكاني وسياحي كبير في ضوء رؤية عمان 2040م، هناك مشاريع جاري تنفيذها ومشاريع أخرى في الطريق، لكن من المهم قبل ذلك العمل على إيجاد وسائل نقل حديثة وفتح طرق جديدة، وإلا فإننا قد نشهد هجرة المستثمرين بسبب الزحام المتوقع، وهو ما سيؤثر بطبيعة الحال على قطاعات اقتصادية حيوية مختلفة.
التفكير في إنشاء مشروع قطاع “مترو” أصبح خيارا استراتيجيا يتطلب الأسرع بدراسته وتنفيذه لتلبية الطلب المتوقع على وسائل النقل، واستيعاب الأعداد المتزايدة على حركة السكان بالمحافظة خاصة المدن الحيوية منها، كما أن إعادة تخطيط الطرق في بعض المناطق بمحافظة مسقط أو المدن الرئيسية في محافظات السلطنة يجب أن يحظى برعاية واهتمام أكبر، يراعي متطلبات واحتياجات المرحلة لسنوات طويلة قادمة، وإعادة النظر في تهيئة المناطق الجديدة، والتشديد على عدم المساس بمرافقها وخدماتها، مدن بمواصفات عالمية تكون شبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات والتصريف وغيرها من الخدمات جاهزة منذ البداية تلبي احتياجات الجميع من الخدمات، وترفع من مستوى التصنيف العمراني المتميز المعهود عن محافظة، خطط تراعي النمو السكاني والعمراني، وحاجة هذه المدن من وسائل النقل الحديثة والمتطورة التي تنهض بالقطاعات المختلفة، هي أسس لا بد وان تبنى عليها الكثير من التطلعات والآمال التي ينشدها الجميع من أبناء الوطن.
مصطفى المعمري ✱