قال الله تعالى:(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا((الكهف ـ 49).
ننسى دائمًا، أو يُنسينا شيطاننا، أو ربما تُنسينا نفسنا الأمارة بالسوء هذا اللقاء المكتوب علينا في يوم ما، وهو اللقاء الأكثر رعبًا من أي لقاء آخر، حيث نقابل أعمالنا في الحياة الآخرة، كلها بالتفصيل، خيرها وشرها، في كامل عمرنا، بلا نسيان أو تهاون، وكأنها فيلم طويل مُسجَّل على شريط أو قرص مدمج، فيلم بطول العمر، مهما طال أو قصر، وربما لم نُذهل بعد بما يكفي، فلنعرف أيضًا أن تغيير أعمالنا حينها غير ممكن، وأن الرجوع للدنيا غير مقبول، وأن النتيجة النهائية لهذا اللقاء قد تكون جنة أو نار جهنم، فبالله أي لقاء قد يكون أكثر رعبًا من هذا اللقاء؟ فعلينا أن ننتبه لما نعمل في دنيانا، فإن كان خيرًا سنُجزى به جنة عرضها السماوات والأرض، وإن كان شرًّا سنلاقيه، نارًا يُسمع لها شهيق وهي تفور.
ولتعرف أكثر يا إنسان أن هذا الفيلم الذي سيسجَّل عليه عملك لا يُغفِل صغيرًة ولا كبيرًة إلا أحصاها، فلا مجال للإنكار، وستُقام عليك الحجج الدامغات، فلا هروب ولا تفلت ولا تنصل، ولا مناص.
فإن كنت عاصيًا لله في أرضه ستشاهد وتتحسر على ما اقترفته يداك من سرقةٍ ونهبٍ وربا، وما اقترفه لسانك من زورٍ وبُهتانٍ وكذبٍ وخداعٍ وغيبًة ونميمة وسب وقذف، وما اقترفه بطنك من شربِ للخمرٍ، وما اقترفه فرجك من زنا وانتهاك للحرمات، وكل ما أتيت في دنياك يُحصى ويُعد، أما المؤمنون الصالحون، الحافظون لحدود الله في أرضه، المشتغلون بالإعداد ليوم الموقف العظيم، فيقفون هناك مُضيئين مُنيرين، كالأقمار في الليالي السوداء البهيمة، يُحسب لهم ما صنعوا من حسنات، وما كُيِّل لهم من ثواب وطاعات، فتُعد لهم الصلوات والصدقات، وصلة الأرحام، وقراءة القرآن والتفكر والتدبر في سير المخلوقات، فيأخذون أجرهم على اليقين والإيمان، والسلامة والإسلام، والخضوع والإذلال وحُسن الانقياد للرحمن، حتى الكلمة الحسنة تخرُج من أفواههم يجدونها في الميزان.
وهاهم الشهود قائمون، اليد والعين والفم والجوارح والأركان، تنطق بما صنع الإنسان في الحياة من إحسان، فهنيئًا للمكافح المجاهد، الصابر المحتسب، الصابر على أداء الطاعات، والمنتهي المجتنب للمنكرات، بالرحمة من الرحمن، والخلود في نعيم الجنان، فستعيش في الدنيا حياة واحدة لا اثنتين، فانتبه يا إنسان، وعِشها مستقيمًا تقيًّا كما أُمِرت، حتى يُقبل عملك في الحياة الأخرى، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(المائدة ـ 27)، فراجع حساباتك الآن، واستمر كل يوم في مراجعتها، وزِن أعمالك قبل أن توُزَن عليك، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، قال تعالى:(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)(الإسراء ـ 14).
حسين بن علي السرحاني✽
✽ كاتب عماني
@hussein_alsarhani