لم يتبلور واقعيًّا حتى الآن ما يحكم فرضية جذب الاستثمار على وجْه فاعل سوى إشارة أوردها خبراء مجموعة البنك الدولي حين أكد المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع له، أن هناك ثلاث أفكار ينبغي الاشتغال عليها بالمزيد من الاهتمام في هذا الميدان، وإعطاؤها الأرجحية في المناهج الاستثمارية. الأول: يتعلق بضرورة الربط الفاعل بين الاستثمار المحلِّي والاستثمار الأجنبي بما يخدم موضوع الاستثمار بوصفه وسيلة من وسائل التنمية، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى قوانين تتيح تحقيق مقاربات بين الاستثمارين الوضع الذي يوفر للاستثمار المحلِّي أن يكون أمام المزيد من الفرص في الإفادة من خبرة المستثمرين الأجانب، إضافة إلى المردود الإيجابي للشراكات بين الاثنين، وكذلك ينسحب الحال إيجابيًّا على الاستثمار الأجنبي حين تكون الأرضية ممهدة أمامه من أجل الاطمئنان على حركته، فدخول البلد ضمن هذا الرابط كفيل بأن يعزز اقتصاد البلد، أي بلد خصوصًا مع وجود قوانين حامية له. إن الربط بين الاثنين يقطع الطريق أمام أية خطوات من شأنها أن تؤدي إلى الضعف؛ لأن أحدهما يمكن أن يكون داعمًا للآخر.
أما الثاني، فهو ينص على أن جذب الاستثمار ليس صفقة، بل علاقة تترتب عليها المزيد من متطلبات النضج مثلما يتوافر لمفهوم العلاقة من ضوابط وتبادل في المنافع المشروعة وفرصة زمنية مقبولة، ولذلك يمكن القول إن هذه العلاقة تتطلب الإدامة، خصوصًا مع تحقيق فائض قيمة فيها.
ويبقى الثالث كل ما يتصل بالتنوع الذي لا بُدَّ أن يؤدي بدوره إلى التنوع في الإنتاج، ولهذا انعكاساته المفيدة الضامنة للتنوع حتى في فرص العمل، والحصول على زيادة في المنافع الاستثمارية. وبمعنى مضاف، الخروج من دائرة التموضع عند نمط معيَّن من الاستثمار الذي يرى فيه الخبراء تطويقًا للاقتصاد بينما يتيح التنوع مجالات رحبة لتعدد الأنماط الاستثمارية وتوسع الرقعة المكانية والزمنية الحاضنة له.
إن الأفكار الثلاث التي أشار إليها البنك الدولي ينبغي أن تكون محط اهتمام المعنيين بتحريك عجلة الاستثمار ذلك؛ لأن تفعيلها من شأنه أن يحقق عددًا من الأهداف الإنتاجية في ضوء الخطط المرسومة لها، لكن ذلك يظل بحاجة ماسَّة إلى الفحص الدوري لحركة الاستثمار لكي لا تتراكم الأخطاء ويصبح حلها عسيرًا. وإذا كان الاستثمار في المشاريع الكبيرة له إطاره المعروف، فإن الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة يحتاج إلى المزيد من الانتباه والمراقبة المتواصلة نظرًا لحداثة الاستثمار فيها، ولأن أصحابها لا يملكون الخبرة الواسعة المتمرسة، وهي من هنا بحاجة إلى الاستشارة من خلال مراكز دراسة جدوى مع البحث عن الوسائل التي تخدم حركة تطوير تلك المشاريع.
لقد تأسست العديد من المراكز والمؤسسات الاستشارية لهذا الهدف الذي لا يقف عمله عند حدود عرض الجدوى، وإنما العمل على تيسير حل المعضلات التي تواجهها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فطبقًا لأكثر من تشخيص واحد عن التحدِّيات التي تواجه الاستثمار في هذا النوع من المشاريع هيمنة ظاهرة الإحباط أمام أي معوق تتعرض له لقلة خبرة أصحابها، ولذلك توفر الأفكار الثلاث التي أشار لها البنك الدولي مدخلًا مهمًّا للتعاطي بها. بخلاصة تحليلية إضافية، تُمثِّل هذه الأفكار قاعدة بيانات معرفية لجذب الاستثمارات وتأسيس المزيد من التصور عن مستقبلها، خصوصًا إذا ارتبط الاختصاص المعرفي الدراسي للأفراد والشركات بنوعية الاختصاص الاستثماري، ويتطلب ذلك أيضًا التعرف على أُسس الإدارة الناجحة لتحاشي الوقوع بالأخطاء، وكل ذلك يحتاج دائمًا إلى المثابرة على العمل والاستدلال على ذلك من النتائج النهائية وليس الجزئية، إذ ربما لا تُمثِّل الخلاصة الحقيقية.
عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]