حين تصبح معضلة التعمين وما يجابهه من تحديات؛ شغل الشاغل لدى العامة والخاصة فتظلّ حديث الساعة عندها يصبح تناولها بالنقاش ومحاولة طرح الحلول والبدائل مهمّة وطنية ومسؤولية سياسية فنبقى حينها مجبرين على معالجتها وكشف خباياها فعسى بالتحليل وكشف الحجب يأتي الحل من حيث لا نحتسب؛ فيكون ذلك مساهمة ولو بالنزر اليسير في بناء الوطن وتنظيم معطيات العمل والعمال التي بدأت كمرض عضال تفشى في سائر الجسد ولا يتداعى له بالسهر سوى القليل خصوصاَ حينما نتحدث عن تشريعات تسن وتشرع إلا أننا نبحث عن ثغرات ومخارج غير قانونية تتيح لبعضنا المجال للكسب السريع أو التحايل المحرم دون أن ننظر في الصالح العام وما سيترتب عليه من عواقب تصبح وبالا ونكالا علينا.
إنّ ما أرمي طرحه يتعلق ببعض الممارسات والسلوكيات التي يمارسها أرباب الأعمال بحثا عن المكاسب المالية دون النظر في تجويد العمل وتحديثه أو تطوير العاملين في القطاع الخاص من المواطنين الذين غادرو المقاعد الدراسية فالتحقوا بسلك القطاع الخاص يعملون فيها دون تدريب أو تأهيل أو حتى دون إلحاقهم بدراسة تخصصات فنية تؤهلهم لقيادة زمام أمور القطاع الخاص مستسلمين بأنهم لم يلتحقوا بالدراسة الجامعية وماذا سيضير لو قدمنا لهم دراسة جامعية متوسطة تؤهلهم وتشجعهم للانخراط في سوق العمل تحت لواء العلم والعمل والانتاج وهم متسلحون بالعمل التخصصي الذي يؤهلهم لأن يتحملون الرقي بهذا الوطن والابداع في مؤسساتهم دون الاعتماد على اليد العاملة الوافدة التي تسحب البساط من تحت أقدامهم فيكتفون بحمل مسميات وظيفية لا تليق وثقافة المجتمع والتطورات العلمية الراهنة.
إننا نطرح في النص توصيات لأولي الأمر والمعنيين بشأن المخرجات الدنيا أن نحتوي إمكانياتهم المحدودة ونعمل على صقل قدراتهم وتنمية مهاراتهم قبل الحاقهم سوق العمل وذلك بخضوعهم لتكوين عملي وتطبيقي يطور من دافعيتهم ويفتح آفاقهم إلى الانتاج والاستثمار سواء في الجامعات الداخلية او الجامعات الخارجية وأن نستبدل تلك الأفكار العتيقة في توقيع اتفاقيات للوظائف الدونية كاللحام والاصباغ والتنظيف وغيرها من الدروات التي لا تحتاج إلى تأسيس وتكوين جامعيّ لأنها تأتي بالممارسة والخبرة علما بأن سوق العمل غير محتاج لمثل هذه الوظائف الدونية فمطالبه أكبر من هذه الوظائف الثانوية التي يضخّ لها ملايين الريالات خصوصا وأن الحكومة أنفقت على التعليم للطالب الواحد الاف الريالات خلال مراحله الدراسية المختلفة بدء من التعليم الاساسي وانتهاء بدبلوم التعليم العام خلال اثنا عشر عاما لينتهي المطاف بهذا الطالب أن يتخصص لحاما أو عاملاً أو مشرف عمال، متناسين أن سوق العمل بحاجة ماسة إلى تأهيل كوادر فنية بشرية للوظائف الوسطى المتعلقة بالهندسة والأجهزة الدقيقة والابتكار العلمي والانتاج الذكي وغيرها مما تسعى دول العالم الى انفاقه لتعليم أبنائها وظهورهم في عالم المصانع والانتاج.
إننا نسعى في هذا النص إلى المشاركة بنقد بنّاء هادف نصل من خلاله إلى تغيير خططنا السابقة في قضايا التعمين واستبدالها بما يعمل لصالح أبنائنا ووطننا حين يحملون راية العلم فمن أخفق في دراسته الثانوية ولم يتحصل على نسب عالية تؤهله لدخول الجامعات الانسانية والتربوية والعلمية وغيرها وجب احتواء قدراته بمنحه فرصة أخرى في إثبات ذاته في تخصصات نحن بأمس الحاجة إليها لتنمية سوق العمل فلربما هؤلاء الشباب الخافقين في دراساتهم لديهم قدرات خفية تحتاج إلى التحريك والمتابعة والتشجيع لتحقق أهدافها وتؤتي أكلها يانعا موفورا لصالح الوطن، فلماذا لا نسهم بتعليمها في جامعات خاصة باتفاقيات تخصص لمثل هؤلاء الطلبة لتخصصات نحتاج إليها فعليّا لنصنع قادة تدير أسواقنا وتحرك أموالنا وتسهم في إنتاج محلي نتعطش إليه فعليا ونكتفي الاعتماد على الوافدين في إدارة شؤون منتجاتنا ومصانعنا وما نرغب به من تطوير يعنى بمصالحنا.
إنّ مماطلة بعض القطاعات الخاصة لتوظيف العمانيين باتت واضحة للعيان في كثير من المواقع التي ظهرت مؤخرا في وقائع تنبئ بأن القادم يحمل في جعبته أخبارا لا تسر حين تعمل على تفتيت مفاصل الاقتصاد وفقدان فرص العمل قهرا ومثال على ذلك ألزمت وزارة القوى العاملة إحدى الشركات أن تعمّن عدد عشرون عمانيا لتحقيق نسب التعمين فيها إلا أن الشركة ماطلت أحد المقبولين لديها بحجة أنّ وظيفته تتطلب مرتبا عاليا بحكم خبرته فأبت إلا أن تخادعه بعد توقيع عقد العمل وتدفع له قيمة بخسة وهو لا يعمل بل جالس في داره في انتظار وظيفته علما بأن عقد العمل الذي برم بينهما هو شريعة المتعاقدين إلا انه لم يحصل على نسخة منه وبعد رفع الدعوى كسبت الشركة القضية وخسرها المواطن العماني وكان هدف هذه الواقعة حصول الشركة على المأذونيات لجلب الايدي العاملة إننا من هنا نتساءل هل لا زالت فرق التفتيش تلقي بقوتها وتكلف نفسها عناء التقصي والتفتيش التراكمي أم أنّ الأمر مرهون بالبركة وانتظار تقارير الشركات نفسها؟ ما دام الوضع ينبئ بشؤم خلال ما حصل من وقائع فلماذا لا نتبنى سياسات أخرى ننتهجها حماية لأبنائنا من بعض التصرفات والسلوكيات التي تدمر نفسياتهم وتضعهم في مأزق وهم في مقتبل عطائهم ؟
لا نصيغ نصا يتعلق بالتعمين على سبيل الدّعوة إلى المثالية الفارغة، وغيرها من الخطابات غير الهادفة وإنما لنؤتي كل ذي حق حقه فنبرز من خلاله أن لكل موظف قدرات لا يمكن تقليلها كما انه ما يصرف اليوم لعامل في القطاع الخاص ليس ثمن المجهود الذي يقوم به، فعلينا أن نتدارك الأمر وننظر إلى أبنائنا انهم ثمرة العطاء لهذا البلد وأنهم شعلتها الوقادة التي لن تنير إلا بهم فلنحتويهم ولنرقى بأفكارهم ونمنحهم فرصة العلم والتكوين لغد مشرق ومستقبل واعد. وفي ذلك فليتفكر أولو الألباب.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]