[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” .. يبدو أن شلال العنف الذي تدفق في 25يناير 2011م يرفض أن يتوقف؛ فكل يوم تصحو مصر على أصوات دمار وانفجارات وأنباء عن القتل والجراح التي تنزف على الطرقات, حتى وصل الموت إلى ساحات الملاعب ليحصد أرواحا بريئة ذهبت لتشجع فريقها, فسُحقت تحت الأقدام وخنقتها سحب الغاز, تبخرت شعارات ثورة يناير عن الكرامة الإنسانية,”
ــــــــــــــــــــــــ
لم تكد تمر الذكرى الثالثة لمذبحة ستاد بورسعيد التي راح ضحيتها 74 قتيلاً من مشجعي الكرة المنتمين للنادي الأهلي المصري الذين يطلقون على أنفسهم لقب (ألتراس ريد ديفلز) ـ حتى فوجئنا بفاجعة جديدة يسقط فيها 19قتيلاً من مشجعي نادي الزمالك المعروفين بـ (ألتراس وايت نايتس) , في أول مباراة تنظم في الدوري المصري بحضور جماهير, منذ غياب الجماهير عن الملاعب عقب أحداث المباراة الدامية بين الأهلي والمصري البورسعيدي في فبراير 2012م , لتزيد هذه الأزمة من أحزان الرياضة المصرية وكرة القدم على وجه الخصوص؛ التي تحولت في مصر من لعبة للترفيه وإسعاد الملايين, إلى وسيلة لجلب الحزن والتعاسة وأداة للقتل ونشر الكراهية والبغض بين الشرطة والمشجعين.
ويبدو أن شلال العنف الذي تدفق في 25يناير 2011م يرفض أن يتوقف؛ فكل يوم تصحو مصر على أصوات دمار وانفجارات وأنباء عن القتل والجراح التي تنزف على الطرقات, حتى وصل الموت إلى ساحات الملاعب ليحصد أرواحاً بريئة ذهبت لتشجع فريقها, فسُحقت تحت الأقدام وخنقتها سحب الغاز, تبخرت شعارات ثورة يناير عن الكرامة الإنسانية, وأحس المصريون بأن الدم أصبح رخيصاً, وأن النفس البشرية التي صانها الله وكرمها وأمرنا بالحفاظ عليها, وتوعد زاهقيها بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة ـ لا قيمة لها.
المأزق الشديد في هذه الأزمة هو إصرار كلٍ من الشرطة وشباب الألتراس على إلقاء مسؤولية ما حدث على الطرف الآخر, وكل طرف يرى أنه الحق والآخر هو الباطل؛ فالشرطة ترى في مشجعي الألتراس مجموعة من الخارجين على القانون المخترقين من جماعة الإخوان, الرافضين للالتزام بالقواعد المنظمة للمسابقات الرياضية, بداية من إصرارهم على دخول الملاعب عنوة بدون (تذاكر), ورفضهم الخضوع للتفتيش وتصميمهم على إطلاق الشماريخ, وترديد الهتافات المسيئة للنظام والداخلية, وإهانة كافة عناصر اللعبة, من أندية واتحاد كرة وحكام ولاعبين, حتى النقاد الرياضيين والإعلاميين.
وجماعات الألتراس ترى أن الداخلية تتعمد ممارسة القمع ضدهم, وتمنعهم من دخول المباريات, وتصر على إهانتهم وانتهاك كرامتهم , بإكراههم على الوقوف في صفوف طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة وبرد الشتاء القارص لإذلاهم وتفتيشهم بدون مبرر, كما اتهموا الشرطة باستخدام القوة المفرطة لطردهم من المدرجات بدون سبب؛ إلاّ كرهها لهم , وتبرمها من الهتافات والأغاني الصادرة عنهم.
وسبق للألتراس اتهام وزارة الداخلية بالتواطؤ والتسبب في مذبحة بورسعيد؛ عندما تركت مشجعي بورسعيد المسلحين, يندفعون إلى أماكن تواجدهم في المدرجات, وممارسة القتل والترويع بين صفوف (ألتراس أهلوي) دون أن تتدخل لحمايتهم؛ ليسقط منهم 74 شهيداً, ورغم صدور أحكام بالإعدام على 21من منفذي مذبحة بورسعيد, والحكم المؤبد على بقية المتهمين, إلاّ أن عدم تنفيذ الحكم حتى الآن, وانتظار الاستئناف والنقض, زاد من حالة الاحتقان بين الـ (الألتراس) والسلطة.
أما (ألتراس) نادي الزمالك فمشكلته مع رئيس النادي, الذي يقولون أنه يناصبهم العداء منذ توليه رئاسة النادي, ويتهمونه بأنه قرر الاحتفاظ بـ (التذاكر) وعدم طرحها للبيع الحر في المنافذ المعتادة؛ رغبة منه كما يقولون في إذلال (الألتراس) بإجبارهم على الحضور للنادي للحصول على التذاكر مجاناً بعد أن يهتفوا له, بينما أعلن الألتراس رفضهم الحصول على التذاكر بهذه الطريقة, وإصرارهم على دخول المباراة عنوة بدون تذاكر أو دعوات.
وجاء يوم المباراة المشؤومة, ووقف رئيس النادي صاحب النفوذ الكبير, يساعد الشرطة في دخول الجماهير, وللأسف الشديد استجابت قيادات الداخلية لتعليمات رئيس النادي, بمنع دخول (الألتراس)؛ ومن أجل هذا الغرض قاموا بتصنيع قفص حديدي "ثبتوه" في الأرض بقواعد فولاذية, ليسمح بعبور الجماهير المرغوب في حضورها المباراة بعد خضوعها للتفتيش , وهؤلاء لم تتجاوز أعدادهم 10آلاف مشجع.
وظل الآلاف يقفون أمام البوابة الوحيدة المشرعة, بينما تم إغلاق بقية بوابات الاستاد دون مبرر, ووقف رئيس النادي يعطي تعليماته لرجال الأمن بتسهيل عبور مؤيديه سواء كانوا يحملون تذاكر أو لا يحملون, حتى اكتمل العدد المسموح له بالدخول, وبدأ التضاغط من الجماهير المحتشدة على البوابة الوحيدة والقفص الحديدي؛ الذي يقف وراءه رجال الأمن بهراواتهم الغليظة, وبنادق الغاز, وانطلق شمروخ من أيدي أحد الموتورين, كان كفيلاً باشتعال الموقف, واندلعت الاشتباكات بين الطرفين, وقام بعض الصبية بإحراق سيارة للشرطة, فانطلقت سحب الغاز المسيل للدموع وسادت حالة من الهرج والمرج بين الجماهير المحتشدة ليسقط 19 قتيلاً و20 مصاباً تحت الأقدام المتدافعة للهروب من رائحة الغاز, ليموتوا غدراً, بسبب الحماقة, والعناد, وسوء التنظيم, وضعف جهاز الداخلية.
والحل ـ في رأيي ـ للخروج من الأزمة هو سرعة الوصول للفاعل الحقيقي؛ سواء كان عن عمد أو بسبب التقصير, أو سوء التنظيم, وتقديمه إلى العدالة, حتى لا يفلت الفاعل وتتوه الحقيقة, كما حدث في جرائم سابقة تحولت إلى ألغاز بسبب بطء العدالة وميوعة التحريات وغياب الإرادة السياسية اللازمة للقصاص والمحاسبة, وعلى الجانب الآخر أرى أنه على روابط مشجعي الكرة (الألتراس) الاعتراف بأخطائهم, وتحمل مسؤولياتهم عما حدث لزملائهم نتيجة إصرارهم على أفكارهم المتطرفة وأفعالهم العنيفة, غير مبالين بالعواقب, وأقل شيء يمكن أن يقوموا به هو حل روابطهم, وعودتهم لمقاعد المتفرجين العاديين, ويكفي ما حدث منذ ظهورهم في ملاعب الكرة المصرية من عنف وشغب وخسائر في الأرواح والمنشآت, وتوقف النشاط الرياضي أكثر من مرة.
كلنا نشاهد التشجيع الحضاري في الملاعب الأوروبية, والتزام الجميع بالقانون والنظام والروح الرياضية, رغم تعرضهم في السابق لأزمات مشابهة مثلما حدث في نهائي كأس أوروبا عام 1985م بين ناديي ليفربول ويوفنتوس على أرض ستاد هيسيل البلجيكي, حين تحولت أرض الملعب لحلبة قتال؛ اجتاحها مشجعو ليفربول المهووسون الذين كان يطلق عليهم (الهوليجانز) واعتدوا بوحشية على اللاعبين والمشجعين ورجال الشرطة وكل من في الملعب وأسقطوا 39قتيلاً و425 جريحاً, وتوقفت المسابقة وقرر الاتحاد الأوروبي حرمان الأندية الإنجليزية من المشاركات الأوروبية لمدة 5 سنوات.
عقب هذه الحادثة, وضعت مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مكافحة العنف في الملاعب وشغب (الهوليجانز) بنداً رئيسياً في برنامجها الانتخابي, وشكلت قوة شرطة خاصة لمكافحة شغب الملاعب, ومنحتها حصانة قانونية من مجلس العموم البريطاني ـ ضد الملاحقة ـ, واستطاعت فرض الأمن والنظام داخل وخارج الملاعب الإنجليزية, وملاحقة المشاغبين والخارجين على النظام, حتى أعادت الهيبة للملاعب الإنجليزية, ليحتل الدوري الإنجليزي الآن مراتب متقدمة على مستوى أوروبا والعالم في نسب المشاهدة, وانضباط المسابقات, والالتزام من الجميع, نتيجة الصرامة في تطبيق القانون, وحسن التنظيم.