في يوم من الأيام طلب مني مديري الأجنبي أن أذهب معه في جولته للبحث عن سيارة مستعملة جيدة ليشتريها، كان يبحث عن طراز معين من السيارات، وكلما دخل معرضًا من المعارض يسأل عن هذا الطراز ولا يجده، وفي كل مرة قبل خروجنا من المعرض، يقول صاحب المعرض لمديري: (إن شاء الله) سنبحث عن طلبك وتجده عندنا في المرة القادمة، وكان مديري يشعر بالتفاؤل والحماسة لمّا يسمع تلك الجملة، لأنه سيجد الطراز المنشود في جولة البحث التالية.
مرت أيام وقرر مديري أن يبدأ في جولته الثانية للبحث عن السيارة المنشودة، وقرر العودة مرة أخرى لتلك المعارض، وتذكر(إن شاء الله) التي قيلت له من أصحاب تلك المعارض، وأنهم بالتأكيد قاموا بتوفير الطراز الذي يبحث عنه من السيارات.
ذهبنا إلى تلك المعارض واحدة واحدة، وكان مديري متحمّسًا جدًّا ليحصل على عربته، لكنه لم يجد ولا معرض منهم يوفر السيارة التي يبحث عنها، وكلما خرجنا من المعرض يرددون نفس العبارة (إن شاء الله) المرة القادمة نوفر لك طلبك.
أما عن الجولة الثالثة للبحث، والتي قمنا بها بعدها بأيام فقبلها نبه عليّ قائلًا:(لا تجعلني أذهب لأصحاب إن شاء الله، هؤلاء يضيّعون وقتي)، ويبدو أنه قد فقد الأمل في أن يجد طلبه عندهم.
لا خلاف على أن كلمة (إن شاء الله) هي كلمة عظيمة واليقين بها واجب على كل إنسان، لأن كل ما في هذا الوجود بأمر الله سبحانه وتعالى، وقد قال في كتابه العزيز:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا)(الكهف ـ 24).
هنا لا نختلف أبدًاعلى قدر ومعنى(إن شاء الله)، لكن يبقى لنا التنبيه بضرورة التوكل على الله والاجتهاد في الأخذ بالأسباب كذلك، فبعض الناس ـ وللأسف الشديد ـ لا تهتم بهذا الأمر، وتظن أن تقديم المشيئة فقط هو أمر كافٍ لإنجاز الأمور التي يطمحون لإنجازها، على عكس الحقيقة، فالعمل والسعي والأخذ بالأسباب من أهم مقومات إنجاز الأمور في الحياة، ويأتي معها اليقين التام بحكمة وإرادة الله سبحانه وتعالى.
قصَّ علينا ربنا في قصة السيدة مريم عِبرة وعظة، إذ إن الله سبحانه وتعالى بقدرته التي لا نهاية لها رزقها رِزقًا بلا سبب، وولدًا بلا أب، مع هذا طلب منها الأخذ بالأسباب وهي في فترة الحمل، عندما قال تعالى:(وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)(مريم ـ 25)، فمع ضرورة التوكل على الله، يجب الأخذ بالأسباب أيضًا.


حسين بن علي السرحاني
كاتب عماني
hussein_alsarhani @