لم تزل شبيبتنا، عبر العالم العربي عالقة بثالوث العالم المعاصر، وهو: الموسيقى والتلفاز والسياسة! وهذه حال تستحق الرصد والتدقيق الآن قبل الغد، وذلك من أجل حماية وتحصين الفئات العمرية الشبابية على طريق التوثب إلى ذلك الجزء السامي والمتسامي من حياتنا المعاصرة، حياتنا المغرقة بآمال تجسير الهوة “بيننا وبينهم” من أجل مواكبة العصر وضمان موطئ قدم لنا في عالم متغير!
للمرء إلا أن يوافقني على تواشج عناصر الحياة أعلاه عبر العالم الآن (الموسيقى والتلفاز والسياسة)، ذلك أن الموسيقى (وتشمل الطرب والغناء، بطبيعة الحال) لا يمكن أن تعزل عن السياسة والتلفاز في آن واحد، وفي مهاد حياتنا اليومية الآن: حتى الموسيقى لم تعد مجالًا للطرب المجرد فقط، بقدر ما طالبنا بعض ولاة الأمور وأهل الحل والعقد بتوصيلها بالحياة السياسية محليًّا ودوليًّا، وهي حقيقة تعكسها الشاشات الفضية (المتاحة الآن في كل بيت وكل مكان)، إذ وصل تفكك بعض الأسر حد إتاحة جهاز تلفزيون خاص في كل غرفة من فضاءات المسكن العربي، كي تتابع البنت ما شاءت من برامج تلفازية (من دروس التدبير المنزلي إلى آخر تقليعات الأزياء والمكياج)، وكذا الحال الأبناء الذكور الذين طالما تبادلوا أنواع الصراعات من أجل متابعة برنامج تلفازي هنا، أو مباراة كروية هناك!
وللمرء أن لا يخفي خشيته من إفراط وتمادي “استحلاء” انفصال الأبناء والبنات كل في غرفته، بعيدًا عن ضجيج الأمهات والآباء المنكهين بمتابعة المسلسلات العربية أو الأجنبية (لسوء الطالع). بل إن أفراد العائلة الواحدة لم يعودوا يلتحقون بأولياء أمورهم على “مائدة الطعام”، كما تعود جيلنا على ذلك، إذ تخدم أطباق وأطعمة الغداء أو العشاء اجتماعًا عائليًّا نصف يومي. هكذا، بذرت التكنولوجيا ووسائل الاتصال والإعلام بذورها التفكيكية حتى في دواخل “دار العائلة”!


أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي