في التاسع من أبريل ـ نيسان 2003 بدأت مظاهر سيادة الدولة العراقية بالتلاشي، في حين بدأت المظاهر الاحتفالية للمحتل الأميركي بالظهور، وكان هذا اليوم عبارة عن المعركة الأخيرة في الحرب الأميركية على العراق، واستعرضت الدبابات أمام شاشات الفضائيات في شوارع بغداد دون تعرضها لإطلاق نار، وعندما تسيطر قوات الغزو على بغداد ذلك يعني أنهم سيطروا على العراق، لكن في العاشر من أبريل ـ نيسان وهو اليوم الأول للاحتلال نهض المقاومون وقتلوا اثنين من القوات الأميركية في بغداد، وتمكن العراقيون من الحصول على تسمية أسرع مقاومة في التاريخ الحديث، وهكذا نجد أن الذي قاتل الأميركيين قبل يوم واحد كان يؤدي واجبا رسميا، لكن في أول يوم للاحتلال أصبح الذي قتل الأميركيين “مقاوما” وبامتياز، ويمكن القول إن هناك تشابها كبيرا بين التجربة العراقية والفرنسية بعد الاحتلال الألماني لفرنسا عام 1940.
فعندما كانت تدور المعارك بين القوات الفرنسية والألمانية، فإن أي ذكر للمقاومة لم تأتِ عليه البيانات والتصريحات الفرنسية في زمن آخر رئيس للوزراء الفرنسي (رينيه)، وأن البيانات كانت تتحدث عن معارك ودفاع عن فرنسا بوجه الغزو الألماني بقيادة الفوهرر أدولف هتلر، وانصبت التصريحات الفرنسية في مجملها في التأكيد على القتال، الذي تخوضه القوات الفرنسية في جبهات الحرب، وتواصل ذلك النوع من الخطاب حتى استسلام فرنسا، لتتشكل بعد ذلك حكومة (فيشي بقيادة الجنرال الفرنسي بيتان)، التي نصبها الاحتلال الألماني لتعمل لخدمته بصورة مطلقة، أما لفظ (المقاومة) فقد بدأ الجنرال ديجول باستخدامه بعد الاحتلال الألماني في 18 يونيو ـ حزيران العام 1940م، عندما انتقل إلى لندن، حيث أعلن المقاومة الفرنسية من هناك، ولم يظهر خطاب للمقاومة في وسائل الإعلام المتاحة، بالسرعة التي ظهرت فيها خطابات المقاومة الفرنسية ضد القوات الألمانية في يونيو ـ حزيران عام 1940، رغم عدم وجود فعل مقاوم فرنسي ميداني سريع وفوري، كما أظهرته هجمات المقاومة العراقية، التي سجلت أسرع بروز للمقاومة في التاريخ الحديث ووثقته كتابات ودراسات المؤرخين والكتَّاب، وما تؤكده الوقائع والأحداث، فمثلا لم تسجل هجمات سريعة ضد الاحتلال الأميركي لفيتنام قبل التأسيس السياسي الفيتنامي بقيادة الزعيم هوشي منه، ومثل ذلك حصل في التجربة الفلسطينية، حيث تأسست الأجنحة العسكرية للمقاومة بعد الإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في (24/5/1964).
من هنا فإننا نقول، بأنه يجب تثبيت تاريخ بداية المقاومة العراقية، بسقوط أول قتيل لقوات الاحتلال الأميركية بعد يوم التاسع من أبريل ـ نيسان عام 2003، ولكي نضع جميع الأمور في نصابها الصحيح، ولأن سياق انطلاق المقاومة العراقية يختلف ـ كما قلنا عن تجارب المقاومة الأخرى ـ فإننا نؤكد على نقطة في غاية الأهمية، تتعلق بالتوثيق الميداني لهجمات المقاومة ضد قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية، إذ لم تكن هناك هيئة أو مجموعة توثق الهجمات التي شنتها المقاومة العراقية، كما حصل في جميع التجارب الأخرى، فالتجربة العراقية بدأت عسكرية صرفة، في حين بدأت جميع التجارب في العالم مقاومة سياسية، ثم شرعت بتنظيم الجانب الإعلامي وتهيئة الكوادر المتخصصة بالتوثيق، ثم إعداد المقاتلين.


وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]