[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
أوضحنا في مقالنا السابق ،، تداعيات الأحداث في اليمن .. وانعكاساتها على شأننا العماني ،، أن هناك إكراها (لم نطلق عليه عدوا) في جنوب اليمن الشقيق قد تمكن في هذا الجزء اليمني المجاور لبلادنا، واستحكم فيه، ويملك القوة المادية والمعنوية، وتتوفر له الآن الظروف والمعطيات للتمدد الإقليمي، وهو يتجلى في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من جنوب اليمن مقرا له، مما يعني أن بلادنا تعد من بين أقرب المناطق الجغرافية لتمدده سواء كان ذلك اختياريا أو مجبرا حسب التطورات اليمينة المقبلة، وإذا افترضنا اندلاع حرب أهلية أو قتال بين القاعدة والحراك الجنوبي أو تدخل عسكري عربي دولي، فإن احتمالية هروب عناصر القاعدة الى داخل بلادنا ستكون حتمية، وهذه الحالة الإجبارية التي نضعها كإحدىالاحتمالين لتفكير عناصر القاعدة في بلادنا، أما الخيار الاخر، وهو الاختياري ،وبالتأكيد سوف تفكر فيه القاعدة للتمدد، كإقامة قاعدة لأيديولوجيتها في إطار استراتيجيتها للتوسع في جزيرة العرب،أو تأسيس جماعة محلية.
لا ينبغي علينا كمؤسسات دولة ولا افراد وجماعات أن نستهين أو نقلل من الاكراه القابع بالقرب من حدود بلادنا الجنوبية، فهو خطير، ويزداد خطورة مع تعقيدات الاوضاع في اليمن، ومفردة ،، الامور كلها طيبة ،، هى بمثابة مخدر سياسي واجتماعي انتهت صلاحيته منذ عام 2011، وبالتالي يمكن القول إن الرهان على قوتنا العسكرية والأمنية لا ينبغي أن تسقط دور قوى حكومية ومدنية أخرى مهمة، فالكل يجب ان ينشغل ويشتغل على هذا الإكراه، صحيح هو قديم، فالقاعدة قد فتحت فرعها منذ بضعة سنوات، وبعد سنتين فقط من افتتاحه فرض هذا الفرع ذاته وقدرته المقلقة، وبالتالي، يفترض أن يكون لدينا الآن خارطة طريق شاملة لما يجب عمله ليس لمحاربته خارج الحدود، لأنه حتى الآن لم يتدخل في شأننا الداخلي، وإنما للعمل على مواجهته في حالتي استهداف بلادنا أو اختراقها، وهاتان الحالتان لا تسقط خيار إدارة هذا الإكراه من خارج الحدود حتى نضمن تغيير مساراته .. الخ وهو ـ أي الإكراه ـ كذلك جديد، ويتجلى في ورقة شبوة التي فتحها هذا التنظيم بقوة عناصره وعتاده، ليجعلنا نرى المشهد اليمني بين قوتين جديدتين تتصارعان على السيطرة الجغرافية لليمن، الحوثيون في الشمال، والقاعدة في الجنوب، ولا يمكن اختزال المشهد اليمني على هاتين القوتين فقط، وبالذات في الجنوب، لكنهما كذلك من حيث الظرفية الزمنية التي ظهرت فيها فجأة قوة الحوثيين كقوة في ظاهرها تأكل الاخضر واليابس، فهل ستأكل القاعدة أو مقدر لها أن تأكلها لو لا الحسابات الخاطئة للقوة الشمالية الجديدة؟ وتنطلق دعوتنا بعدم الاستهانة او التقليل المؤسساتي (الحكومي والمدني) مما يجري في جنوب اليمن ،، تحديدا،، بعد انكشاف قوة الفرع اليمني لتنظيم القاعدة، وتفوقه على التنظيم المركزي نفسه، بشهادة الأجهزة الاستخباراتية الغربية التي قالت إن الفرع قد أصبح بعد عامين من تأسيسه أكثر ابتكارا وجرأة من تنظيم القاعدة المركزي الذي أسسه بن لادن في افغانستان وباكستان، وتلكما المفردتان تهزان الوعي السياسي وتدفعان به الى استشراف حجم خطورة هذا التنظيم إقليميا وعالميا، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بتبني هذا الفرع الاعتداء على الصحيفة الفرنسية التي تنشر رسوما كاريكاتورية مسيئة لسيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وتأسيس فرع لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب مقره اليمن، ليس من أجل تقوقعه في جنوب اليمن وإنما في الجزيرة العربية كلها، من أجل إقامة إمارة إسلامية في المنطقة وفق ايديولوجية القاعدة، لذلك ضم الفرع اليمني إلى صفوفه – كما ذكرنا ذلك في المقال السابق – حركة الشباب الصومالية المتشددة وكل المجاهدين، من هنا، يحق لنا أن نصعد من حدة قلقنا وبصوت مرتفع لتموقع بلادنا الجغرافي مع مقر هذا التنظيم ووفق سيناريوهات تلك الاحتمالين ،، الاختياري والإجباري.
نخرج مما سبق بالقول، إن هناك أدوارا مدنية وسياسية ينبغي أن تتخذ فورا تدعيما للدور الأمني والعسكري، وذلك لتعزيز وتوعية جبهتنا الداخلية، فوعيها بالمخاطر والحفاظ على تماسك وحدتها تشكل الوجه الآخر والأهم للدور الأمني والعسكري، ويتجلى أبرز صور هذه الأدوار في تشكيل لجان في الولايات الحدودية، برئاسة الولاة وعضوية بعض الشيوخ الفاعلين والاعيان والمثقفين لتوعية المواطنين بمخاطر ما يحدث في جوارنا اليمني وتأثيره على بلادنا، وتحميل كل فرد وجماعة مسئولية تصرفاته، وتوضيح كذلك مدى جاهزية وسائل أمننا ودفاعنا للدفاع وبقوة ضد كل ما يمكن أن يمس أمننا واستقرار سواء جاء هذا الخطر من الداخل أو الخارج أو هما معا، وهذه الآلية نقترحها كذلك في الولايات الأخرى، تداركا لما قد يستغل في داخلنا العماني من خلافات وشقاقات قبلية .. قد يجد فيها أصحاب الابتكارات والجرأة (الفرع اليمني للقاعدة) وسيلة لاختراق المجتمع أو تأسيس جماعات محلية للتنظيم .. الخ وقد نجد في هذه الظرفية ذلك فرصة مواتية لتقوية الجبهة الداخلية عبر التصالح مع الذات بعد أن أخرج بعض أفرادها بسبب أفكارهم ، وإعادة دمج أصحاب الأفكار المعتدلة في المسيرة الوطنية، وحتى أولئك الذين يتهمون بالاتصال بالخارج .... نقترح فتح حوار معهم كذلك لدمجهم في الذات، وفتح صفحة جديدة معهم من منطلق أن الكل معني الآن بديمومة الأمن والاستقرار في البلاد، وأن هذا الأمن والاستقرار يحتم على الكل التنازل من أجله، والكل هنا مؤسسات وأفراد .. فهل سوف نستغل الظرفية الزمنية الراهنة للتصالح مع الذات لتعزيز الجبهة الداخلية حتى لا يجد الإكراه الخارجي المجاور نافذة للعبور أو من منظور عدم العذر بعد التوضيح والتحذير ومد يد المصالحة ...الخ.