لا تزال المواجهة الروسية الأطلسية على الأرض الأوكرانية تؤثر على الوضع الاقتصادي العالمي، ولا تزال تداعياتها تتشابك مع تداعيات جائحة كورونا (كوفيد 19)، وسط مخاوف من ظهور أوبئة أشد فتكا من هذا الفيروس، أو ظهور متحورات جديدة منه، نسمع عنها يوميا في الأخبار هنا وهناك، ولا يزال غول التضخم يضرب كافة دول العالم شرقا وغربا، نتيجة لتلك التوليفة من الأزمات التي اجتمعت، وأسهمت فيما وصل له حال الاقتصاد العالمي من ركود غير مسبوق، يقضي على أي أمل منظور في صحوة اقتصادية في العام الوليد 2023، والذي تؤكد أكثر النظريات الاقتصادية المتفائلة أنه سيكون عام ركود جديد للاقتصاد العالمي، وأن إمكانية الانطلاقة، لن تكون قبل 2024 على أقل تقدير.
ولكن يبقى رغم هذه النظرة التشاؤمية بريق أمل أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أبدى استعداد بلاده للتفاوض مع جميع الأطراف المعنية بالصراع في أوكرانيا، لإيجاد حلول مقبولة للصراع هناك، وهي دعوة على القوى الغربية انتهازها، والعمل على عودة السلام في هذه المنطقة الملتهبة؛ بهدف حل أزمة لها دور فيما وصل إليه الاقتصاد العالمي من ركود، وسيكون لها مردود إذا خلصت النيات في وقف تداعيات الفقر الذي أصاب أكثر من ربع سكان المعمورة، وسيتيح التفاوض فرصة ممكن أن تجعل من العام القادم الذي لا يفصلنا عنه سوى أيام معدودة، انطلاقة لعودة النمو للاقتصاد العالمي، ثم إحياء الآمال في تجاوز تلك الأزمات.
فالمواجهة القائمة على الساحة الأوكرانية والتي بدأت في 24 فبراير الماضي، تُعد أشد الصراعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وأكبر مواجهة بين موسكو والغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، ووجود حل لها بجانب المردود الاقتصادي، ووقف جماح التضخم العالمي، الذي يزداد كلما طالت مدة الصراع، سيعطي فرصة لمحاولة التعاون بين القوى الكبرى لإيجاد حلول مواتية لكافة الأزمات والقضايا العالقة على الصعيد العالمي. فالعالم أضحى الآن أحوج من أي وقت مضى لسلام يشكِّل دافعا نحو تعاون بنَّاء يقضي على تلك الأزمات المتفاقمة وينهيها، بدءا من تداعيات كورونا، وصولا للتغير المناخي والتأثير الكارثي على الكوكب.
إن التعاون هو الحل الوحيد الباقي لتدارك الوضع الصعب، وأي أمل في مستقبل واعد لن يتم دون تعاضد الجهود وتكاتف الجميع، للخروج بالبشرية من هذا النفق المظلم. وبرغم صعوبة الوضع والهوة الشاسعة بين الفرقاء، إلا أنني واحد من سكان هذا الكوكب التعيس، الذي لا يزال يحدوه الأمل في أن يستفيق الكبار، ويغلبوا حق الإنسان في الحياة، ويقدروه، دون الالتفات للمصالح الضيقة، التي باتت تهدد البشرية بالفناء، جراء الإصرار عليها، وباتت أمنيتي في العام الجديد، أن يتجه الجميع للسلام، والعمل على الانطلاق نحو التنمية الشاملة المستدامة، بوعي يدرك أن طريق الصراع لن يفضي لتفوق مطلق، بل سيتجه بالجميع نحو الخسران المبين.


إبراهيم بدوي
[email protected]