انتهجت مسيرة النهضة العُمانية الحديثة صيغة متكاملة لإرساء قواعد الديمقراطية قوامها اعتبار المواطن شريكا حقيقيا وفعليا في الارتقاء بالوطن وإدارة شؤون البلاد وصنع القرار، ففتحت له أبواب المجالس التي يبلور من خلالها رؤيته لما يحقق تطلعاته ويدفع بعجلة التقدم للأمام.. ومما لا شك فيه أنه عندما تم طرح قانون المجالس البلدية طاف في ذهن كل مواطن آمال وتطلعات يحلم بأن تتحقق على أرض الواقع مثل أن تتقدم وتزدهر البلاد، وأن يحقق المجلس معنى الشراكة الحقيقية بين المواطن والحكومة فيصل صوت المواطن أينما كان للمسؤولين الذين يعملون بدورهم على حل جميع مشاكله.
ولقد أسدلت وزارة الداخلية الستار منذ ساعات على المحفل الديمقراطي المتمثل في انتخابات المجالس البلدية لتطوي صفحة مشرقة تجلت فيها معاني الوطنية والشراكة الحقيقية بإعلان نتائج الفائزين بعضوية تلك المجالس للفترة الثالثة وبنسبة تصويت شارفت على الأربعين بالمائة.. وخرجت الانتخابات في أبهى حلة وبصورة مشرفة حيث أثبت الناخبون أنهم على قدر عالٍ من الوعي والمسؤولية إلى جانب أن وزارة الداخلية بذلت جهودا ملموسة وناجحة في تنظيم الانتخابات كعادتها، بالإضافة إلى أن التصويت الإلكتروني أثبت نجاحه لتواكب سلطنة عمان العالم في تطبيق الأنظمة الذكية والتحوُّل الرقمي في مؤسَّساتنا الحكومية والذي بدوره يُسهم بشكل كبير في توفير الجهد والمال للوطن والمواطن.
إن بلادنا بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تُولي المجالس البلدية اهتماما خاصا، ولذلك نرى أن جلالته ـ أبقاه الله ـ أصدر أوامره الكريمة بمنحها المزيد من الصلاحيات التي تعزز من مسيرة البناء والتنمية للمحافظة والمواطن أينما كان.. ولعلَّنا لاحظنا خلال السنوات القليلة الماضية تطورا ملحوظا في معظم المحافظات، سواء كان هذا التطور إداريا أو تنمويا مما يدل على أن السياسة الجديدة الخاصة بالإدارة اللامركزية نجحت في الدفع بالمسيرة النهضوية نحو التقدم والازدهار.. فالمجالس البلدية تُعد خطوة في طريق تكامل المؤسسات والمشاركة الوطنية في صنع القرار الذي يمضي قُدمًا بالدولة نحو الحداثة والتقدم.. وقد أثبتت في الفترتين الأولى والثانية دورها الفاعل في مساندة الحكومة لتوفير الخدمات لكافة المواطنين في كل المحافظات والولايات وتواصلت مع الجهات المختصة لتطوير المجتمعات المحلية وأسهمت في متابعة مشاريع التنمية مما أدَّى إلى تسارعها وانتهائها في وقتها.
لا شك أن تحقيق آمال المواطنين هو أمانة في عنق أعضاء المجلس البلدي، وبالتالي فإن حُسن اختيار هؤلاء الأعضاء هو أمانة أيضا في عنق الناخبين.. فإذا كان كل مواطن يريد أن يغدو بالمجتمع نحو الأفضل فإنه يتوجب عليه أن يتحرى الدقة فيمن يختاره ممثلا عنه، فلا يفاضل على أساس قبلي أو صلة قرابة بقدر ما يختار على أساس الكفاءة والخبرة وحب البلد والقدرة على تمثيل أبناء ولايته التي تحقق المصلحة العامة للوطن وتحقق طموحات وآمال مواطنيه.. ونحمد الله أن من نجح في الانتخابات أسماء مشهود لها بالكفاءة والحكمة والرغبة في تحقيق الخير والصلاح والارتقاء بالمجتمع، وكان ذلك واضحا من خلال البرامج التي أعلن عنها المرشحون ويسعون لتنفيذها على أرض الواقع.
لا شك أن انتهاء الانتخابات ليست نهاية المطاف بل بدايته.. فالأعضاء الجدد بدأت مهمتهم الأساسية وعليهم أن يشمروا عن سواعدهم للقيام بدورهم على أكمل وجه فيعملون على تنمية محافظاتهم وتحقيق الراحة والاطمئنان والرخاء لسكان منطقتهم.. فالمجتمع بحاجة لأعضاء منتجين يشاركون بفاعلية في بناء الوطن والوقوف بجانبه في الظروف الصعبة التي يمر بها وليس وجاهة وصورة تظهر في الاحتفالات فقط.
إن المواطنين يتطلعون لما سيسهم به المجلس البلدي في تنمية البلاد في ظل التحدِّيات المتزايدة نتيجة التوسع العمراني والزيادة السكانية التي تتضاعف مطالبها.. وليعلم الأعضاء الجدد أنهم تحت المجهر ومراقبون من أبناء ولاياتهم الذين ينتظرون منهم تقديم الكثير.. والتنافس الشريف الذي شاهدناه في الانتخابات يجب أن يستمر كذلك في خدمة المواطنين بعيدا عن المصالح الفئوية أو المحسوبية، فلولا الإرادة الشعبية ما استقر على هذا الكرسي.. فالمنصب الجديد أمانة ومسؤولية جسيمة يجب أن يشعر بها صاحبها حتى يقوم بعمله كاملا.
نتمنى أن يكون لكل مجلس بلدي جديد رؤية مشرقة وأفكار مبدعة تسهم في تطوير منطقته وتحقق لأبنائه الرخاء والاستقرار، وتعمل على حل مشاكلهم وتسهم في دفع عجلة الإنتاج، وإذا كانت كفاءة الأعضاء الجدد حققت لهم الفوز في الانتخابات فيجب أن نرى أيضا كفاءة في إدارة المجلس وتوجيهه للمُضي قُدمًا في طريق النهضة المباركة، وعليهم أن يثبتوا أنهم على قدر الثقة التي أولاها لهم الناخبون.. ولتساعدهم الحكومة في ذلك، فنجاح تجربة المجلس في فترتيه الأولى والثانية يجب أن نستثمره في فترته الثالثة فتعمل على توسيع صلاحياته بالتدريج أكثر وأكثر حتى تتعاظم مساهماته في بناء الوطن.. فوطننا أحوج ما يكون لتكاتفنا ووقوفنا صفا واحدا من أجل النهوض به، خصوصا في ظل ما يعاني منه العالم أجمع من تحدِّيات وصعوبات معيشية تجعل المواطنين يشعرون بالقلق والخوف من المستقبل.. ولكننا كلنا أمل في أن بلادنا سوف تتجاوز هذه التحدِّيات وتحقق التنمية المستدامة المنشودة والتطور الفائق والمستقبل المشرق للأجيال الحالية والقادمة.
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق أعضاء المجالس البلدية الجدد في الارتقاء بالمجتمع، وتحقيق آمال وطموحات مواطنيهم ونقل همومهم للمسؤولين بكل صدق وشفافية حتى يعم الرخاء كافة ربوع البلاد في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ.


ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني