في مثل هذه الأيام عام 2020 وبعد مغادرتي سلطنة عُمان والعودة لبلدي مصر بشهور معدودة، تولَّى جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم مقاليد الحكم في السلطنة الحبيبة، وفور الإعلان عن وصية المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ أدركت الثقة التي كان يتعامل بها الشعب العُماني مع مسألة خلافة السُّلطان قابوس، رغم الأحاديث العالمية التي سبقت الحدث عن حدوث فراغ في السلطة العُمانية، كلما اشتد المرض على باني نهضة عُمان الحديثة، وكان أول تعليق لي، هو أن السُّلطان الراحل كان يعد السُّلطان هيثم لهذه المهمة الوطنية، عبر بوابة إعداد رؤية عُمان 2040 التي تحمل سلطنة عُمان نحو المستقبل.
فتلك الرؤية الطموحة غاصت في أعماق عُمان وربوعها، وأعدت بمشاركة شعبية سعت إلى تجديد شباب النهضة، وعرفت مكامن القوة والخلل، لذا كانت رؤية قائد عُمان الجديد تعي الاحتياجات، وتدرك المقوِّمات، وتسير بخطى ثابتة راسخة نحو المستقبل الذي يستحقه هذا الشعب الوفي، الذي يرتبط بعلاقة شديدة الخصوصية مع قيادته، يثق بها ويدرك خطاها، ويتحمل بصبر الجبال الشوامخ، بهدف وحيد لا يتراجع عنه، هو تصدر عُمان مكانتها التي تليق بتاريخها التليد الممتد. لذا فمع الخطاب الأول والذي أوضح فيه عاهل البلاد خطواته الإصلاحية لتجديد شباب ورونق النهضة العُمانية المباركة، شمَّر العُمانيون عن سواعد الجد، إيمانا منهم بقدرة ربان سفينتهم على الإبحار بعيدا بأمان رغم عِظم الأنواء والتحدِّيات.
ولعل هذه الثقة المتبادلة بين القائد وشعبه هي مفتاح تلك النهضة التي نقلت عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة، والتي تراها جلية في التاريخ العُماني، فهذه الثقة كانت بوابة الموافقة الجماعية التي سبقت فتح الوصية، على اختيار السُّلطان قابوس لخير خلف له، وهذه الثقة كانت عنوان مرحلة حكم السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم، رغم صعوبة الأزمات ووعورة تداعياتها. فالمتابع للأحداث يجد أن وعود قائد البلاد المفدى قد تم الوفاء بها بسرعة ودقة منقطعة النظير، لدرجة أن ذكريات تلك المرحلة رغم صعوبتها، ستكون نبراسا لكل من يسعى لتجاوز التحدِّيات رغم الصعوبة القصوى للطريق، ليس في السلطنة وحسب، بل في العالم أجمع.
إن السنوات الثلاث الماضية ستكون صفحات مضيئة في تاريخ عُمان الحديث، حيث حرص جلالته على التواصل مع شعبه واستعرض بصراحة وشفافية التحدِّيات، وتطالب بتكاتف الجهود، فخطا في سنوات قليلة قفزات كبرى نحو مستقبل واعد رغم المحن والأزمات، وخطا مراحل متقدمة نحو تحقيق نهوض تنموي واقتصادي شامل ومستدام، عبَّرت عنها الأرقام والمؤشرات، واعترفت بها الجهات الدولية المتخصصة، واستطاع أن ينتقل بالاقتصاد الوطني إلى مستوى متقدم، شهد به القاصي والداني. ومع الاحتفاء والاحتفال بهذه الذكرى الغالية، نجد معدلات الأمل ترتفع بين القيادة الحكيمة وشعبها الوفي، نحو طموحات لا حدود لها، طموحات تسعى بشكل دائم نحو الأفضل والأسمى من أجل عزة ورفاهية إنسان هذه الأرض الطيبة وطموحاته وتطلعاته. فكل عام والقيادة والشعب العُماني بخير وسعادة، وسينضم 11 يناير لأيام الفخار الوطني، التي تستمد منها البلاد قوة الدفع لتجديد عهد النهضة المباركة.


إبراهيم بدوي
[email protected]