ثلاثة أعوام من الإنجازات.. ثلاثة أعوام أثبت فيها القائد المفدى مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ أنه يحمل الوطن في قلبه وأن حُبَّه يسري في عروقه مجرى الدم.. ثلاثة أعوام أكد فيها مولانا المُعظَّم أن المواطن بالنسبة له أولوية أولى.. ثلاثة أعوام من النهضة المتجددة التي قفزت بالبلاد خطوات عديدة للأمام رغم العقبات والتحدِّيات التي كانت تحدق بها من كل جانب.. ولكن إذا كان ربان السفينة ماهرا ويتمتع بالحكمة ونفاذ البصيرة وبُعد النظر والقدرة على استشراف المستقبل فكيف تضل سفينته الطريق؟
أحداث كثيرة شهدها الشعب الوفي خلال السنوات الثلاث الأخيرة.. ورغم ما شعر فيها تارة بعزلة وخوف ورعب بسبب انتشار فيروس كورونا، وتارة أخرى بإحباط بعد انهيار الاقتصاد العالمي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية بعدما كاد أن يتعافى من آثار الجائحة.. إلا أن حكمة القائد الفذ استطاعت أن تعيد الاطمئنان والسكينة للنفوس مرة ثانية من خلال الإصرار على استكمال مسيرة العطاء والبناء والمُضي قُدمًا في طريق التنمية والنهضة والعزيمة على تنفيذ الرؤية المستقبلية الطموحة “عُمان 2040” مهما كانت التحدِّيات والتي ستحقق للوطن الغالي التقدم والازدهار والمستقبل المشرق وتضع اسم سلطنة عُمان في قائمة الدول المتقدمة على كافة الأصعدة.. وقد تكللت ـ بحمد الله وفضله ـ جهوده المضنية بالنجاح الباهر وتحققت على يديه الكريمتين الكثير من المكتسبات والإنجازات رغم صغر المدة الزمنية وعظم التحدِّيات ووصل بسفينة الوطن إلى بر الأمان والاستقرار.
إن الأرقام التي رصدت ما تحقق من إنجازات ونتائج الإصلاحات الإدارية والاقتصادية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أننا نسير في طريقنا الصحيح، وأن الفكر العُماني الحكيم قادر على التكيف مع المستجدات حتى يتجاوز العقبات.. فعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية كانت التوجيهات السَّامية التي صدرت من لدن حضرة صاحب الجلالة ـ أبقاه الله ـ هي النبراس الذي يهتدي به الجميع حكومة وشعبا.
الملاحظ خلال السنوات الثلاث الماضية الاهتمام السَّامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بفئة الشباب الذين اعتبرهم شريكا أساسيا في مسيرة البناء والنماء، وهو ما يؤكد على أن جلالته ـ أبقاه الله ـ أراد للنهضة المتجددة أن تستقي من روح الشباب الوثابة وحماسهم الكبير وعقولهم المتقدة وهممهم العالية.. فحرص على تمكين الشباب بل المواطن بصفة عامة أيا كان عمره، وهو ما أسهم في تحقيق الكثير من تطلعات المواطنين.
إن يوم الحادي عشر من يناير لهو يوم فارق في تاريخ البلاد؛ لأن فيه انطلقت شعلة التجديد صوب أهدافها النبيلة لتحقيق ما يربو إليه المواطن من استقرار وازدهار ورخاء وتقدم.. تلك الشعلة التي تستمد ضياءها من هدي مولانا المفدى ـ أبقاه الله ـ وتحملها السواعد العُمانية الفتية في طريق التنمية المنير وتدعمها الإرادة الوطنية المخلصة، تتلقفها الأيادي لترتقي بها على سلم المَجد والنجاح.
لا شك أن ما تحقق من إنجازات تحمِّل المواطن مسؤولية مواصلة المسيرة المظفرة وأداء واجبه على أكمل وجه حتى يستطيع الحفاظ على هذه المكتسبات وتنميتها وتعظيمها.. فليؤدِّ كل منَّا أمانته ويقُمْ بدوره في الارتقاء بالمجتمع قدر الإمكان، وعليه بذل أقصى جهده من أجل تسريع عجلة الإنتاج.. وعلينا جميعا أن نقف صفا واحدا خلف القائد المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ حتى نصل للغد الأفضل.. فبإرادتنا وعزيمتنا سنقهر التحدِّيات ونتجاوز العقبات ونصل للمستقبل المنشود بإذن الله.
ونحن نحتفل بيناير المجيد يشرفنا أن نجدد الولاء والإخلاص للقائد المفدى ـ حفظه الله ورعاه ـ رافعين أكف الضراعة لله عزَّ وجلَّ أن يحفظ جلالته ويبقيه ذخرا وقائدا ملهما ويسبغ على جلالته من نعمائه، ويديم عليه الصحة والعافية ويوفقه لما فيه خير البلاد والعباد، ويعيد عليه المناسبة السعيدة أعواما عديدة مديدة ويديم على عُمان ازدهارها وتقدُّمها ورُقيها.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
❋ ❋ ❋ ❋ ❋ ❋
ترؤس مولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ أيام لمجلس الوزراء الموقر بقصر البركة العامر يؤكد على حرص القيادة الحكيمة على متابعة سير العمل في الدولة أولا بأول وباستمرار وعن كثب والاطلاع عما تم إنجازه من مكتسبات، وما تم تنفيذه من استراتيجيات وخطط وبرامج لتحقيق النهضة المنشودة والتي تراعي في المقام الأول مصلحة المواطن بما يوفر له الخير والازدهار والتقدم.. لذلك نرى حرص المواطنين على الاطلاع على هذه الاجتماعات المهمة ومعرفة ما ستسفر عنه حتى تطمئن قلوبهم للقادم بإذن الله.
وكما هو حال كل اجتماع للمقام السَّامي ـ أبقاه الله ـ يتم استعراض الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية وما تم تحقيقه خلال الفترة السابقة ومدى الجهود التي تبذلها الجهات والمؤسسات كل في مجاله لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة وبما يعلي من شأن البلاد والعباد.. فتابع جلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ الموقف المالي للدولة وما آل إليه فأصدر توجيهاته السامية لزيادة الاستثمار الذي يشكِّل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل للمواطنين موجها الشباب لضرورة الوعي بأهمية الأعمال الحرة.. فمن المعروف أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لها دور كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني إلى جانب أنها توفر العيش الكريم لأصحابها.. وبلادنا ـ والحمد لله ـ لا تألو جهدا من أجل تشجيع هذا النوع من الأعمال وتقوم بتوفير كافة المقومات التي تساعد الشباب على تكوين شركاتهم ومؤسساتهم الخاصة.. إلى جانب العديد من التوجيهات التي تحث على تضافر الجهود من أجل رفع مستوى الأداء الحكومي وتجاوز التحدِّيات ومواكبة المستجدات وتحقيق الأهداف المنشودة التي تسهم في تحقيق الرؤية المستقبلية الطموحة.
إن من أجمل ما تناوله القائد المفدى موضوعا مهما جدا كان قد طرحه منذ عام تقريبا أيضا حول أهمية “ترسيخ الثوابت والمبادئ العُمانية الأصيلة المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف وحث الأسر على الأخذ بأيدي أبنائها وتربيتهم التربية الصالحة” في ظل ما يشهده العالم من تغيرات في السلوك والمفاهيم والتي تتنافى مع ثوابتنا ومبادئنا الراسخة الأصيلة.
بالتأكيد لم يعد يخفى على أحد تأثير التكنولوجيا الحديثة على تربية الأبناء.. حيث تشير العديد من الدراسات إلى تراجع تأثير الوالدين والأسرة في تربية الأبناء وتوجيه سلوكياتهم وتوجهاتهم الفكرية، خصوصا بعد انتشار الإنترنت ووسائل الإعلام المختلفة وذلك نتيجة “الاختلاف الفكري والثقافي بين جيل الآباء الذي ما زال يتمسك بنظريات التربية التقليدية وبين الأبناء الذين يعتبرون أكثر ثقافة وانفتاحا وإطلاعا”.. وهو ما يعني أنه يجب تغيير أسلوب التربية حتى يمكن تفهم عقلية الأبناء وتوجيههم التوجيه الصحيح، خصوصا في ظل ما تتضمنه الوسائل الحديثة من ثقافات مختلفة.
للأسف لقد أوجدت التكنولوجيا الحديثة فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء في التفكير والتواصل وحتى التعامل.. حيث إن جهل الكثير من الآباء بكيفية التعامل مع الحواسيب والإنترنت بإتقان ومهارة في الوقت الذي نرى فيه أبناء في عمر المراهقة يمكنهم اختراق أعتى المواقع الإلكترونية الخاصة وفك شفرتها والعبث بها يوضح مدى البون الشاسع بين تفكير الجيلين، وبالتالي أصبح التواصل بينهما يشكل معضلة كبيرة تتطلب الحكمة في التعامل وتطوير الذات للتكيف مع المستجدات الحديثة من قبل الآباء حتى يمكن إيجاد قنوات تواصل وحوار مثمر وبناء بينهم وبين أبنائهم.. فمما لا شك فيه أن أساليب التربية التقليدية والتي تعتمد على إصدار الأوامر وفرض الرأي وانتظار تقديم فروض الطاعة لن تجدي مع الأجيال الجديدة، بل يجب أن تسود روح الديمقراطية والتفاهم وسط الجو الأسري.
نحن لا ننكر أن وسائل التواصل الحديثة أكسبت الأبناء مهارات كثيرة وساهمت في تنمية قدراتهم على التفكير المنطقي والإبداعي وأمدتهم بروافد ثقافية متعددة لم تكن متوافرة للأجيال السابقة، وساعدت على تنظيم أفكارهم وبلورة رؤاهم تجاه القضايا المختلفة وغير ذلك من الإيجابيات، إلا أن هذا لا يخفي أن لها سلبيات عديدة، منها ـ على سبيل المثال ـ تعويد الأبناء على الانعزالية لفترات طويلة والوحدة والبعد عن روح الجماعة فيتعود الابن بالتبعية على الأنانية وعدم المشاركة الإيجابية في محيطه الأسري والمدرسي والمجتمعي بصفة عامة.. كما أن المعلومات التي يستقيها الابن ليست دائما محل ثقة ورقابة وسيطرة من الآباء، وبالتالي قد تتسبب في انحرافه الأخلاقي والثقافي.. لذلك نرى أن الدول الأوروبية وأميركا واليابان قامت بتغيير وتطوير مناهجها ونظرياتها المتعلقة بالتربية والتعليم حتى تتناسب مع عقلية الأطفال الحديثة.
إن الأسرة هي نواة أي مجتمع وبصلاحها واستقرارها يصلح ويستقر هذا المجتمع لذلك لا بد من توعية الآباء بأهمية استيعاب مقتضيات العصر الحديث وما يتطلبه من تكيف وتعامل خاص حتى تظل الأسرة مستقرة.. فكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إن الأب في بيته راعٍ ومسؤول عن رعيته والأُم في بيتها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، وهذه المسؤولية تتطلب منهما التواصل مع أبنائهما لأن التربية ليست عبارة عن ملابس ومأكل ومشرب كما يراها كثير من الآباء، بل هي توجيه ونصح وإرشاد وتنشئة قويمة صحيحة يرضى عنها الله سبحانه وتعالى وينتفع بها الوطن؛ لأن مستقبله مرهون بصلاح الأجيال الجديدة التي يعتمد عليها في بنائه وتطوره وتقدمه ونهضته.
إن التحدِّيات التي تحيط بالأسرة كثيرة ووسائل الاتصال المختلفة ومواقع الانترنت والفضائيات وكافة وسائل التكنولوجيا الحديثة تتحكم في معظمها قوى خارجية تبث معلومات مغلوطة ومضللة تسعى من ورائها لعولمة الأجيال الجديدة، وطمس هويتهم وثقافتهم، وتعمل على استقطابهم للتطرف تارة وللانحراف الأخلاقي تارة أخرى وللفتنة العرقية والإثنية تارة ثالثة وهكذا.. المهم أن يتفكك مجتمعنا العربي وتتمزق أواصره بتدمير شبابه وأطفاله.. لذلك يجب على الآباء مواجهة التحدِّيات الجسيمة بشيء من العقلانية والمرونة وتوجيه أبنائهم نحو المنظومة الأخلاقية والقِيَم الدينية المنشودة القويمة وغرس مفهوم المواطنة في نفوسهم حتى يستقيم المجتمع.
إن توجيهات حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ يجب أن تؤخذ في الاعتبار فلتتكاتف الجهات المعنية داخل الأسرة وخارجها للحفاظ على ثوابتنا ومبادئنا القويمة وهويتنا الأصيلة، وتحصين الأجيال الجديدة ضد الأفكار الدخيلة التي تريد أن تسلخه عن قِيَمه وأصالته حتى نحافظ على صلاح المجتمع.



ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني