[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]”تَعودُ بنا قصة المرحلية في العمل الوطني الفلسطيني، وبناء الدولة الفلسطينية، إلى نقاشات طويلة طالما احتدمت في مراحل سابقة من عمر المقاومة والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. برز فيها ما يتعلق بتحديد الأهداف التكتيكية للكفاح الوطني الفلسطيني والأهداف الإستراتيجية. وتزاحمت النقاشات بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 عندما وقع التحوّل المفصلي الأول.”
تأتي مناسبة حديثنا عن مفهوم المرحلية في العمل الوطني الفلسطيني في هذا الوقت مع توصل عددٍ من الأحزاب العربية داخل المناطق المحتلة عام 1948 لقائمة موحدة لمرشيحها، ستدخل بها الانتخابات العشرين للكنيست "الإسرائيلي" والمتوقع أن تجري في السابع عشر من آذار/مارس القادم 2015، وهي أحزاب تَعتَقد وتؤمن بحل الدولتين (دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية) في مسار عملية التسوية مع حل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس حقهم بالعودة وفق القرار الدولي (194) لعام 1949. فيما سَتُقاطع باقي الأحزاب العربية في "إسرائيل" عملية الانتخابات انطلاقًا من رؤية سياسية وفكرية، واعتقادًا منها بأن الحل الجذري الناجز للقضية الفلسطينية يتمثل بالسعي لإقامة دولة ديمقراطية حرة على كامل أرض فلسطين التاريخية بحدودها المعروفة.
تَعودُ بنا قصة المرحلية في العمل الوطني الفلسطيني، وبناء الدولة الفلسطينية، إلى نقاشات طويلة طالما احتدمت في مراحل سابقة من عمر المقاومة والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. برز فيها ما يتعلق بتحديد الأهداف التكتيكية للكفاح الوطني الفلسطيني والأهداف الإستراتيجية. وتزاحمت النقاشات بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 عندما وقع التحوّل المفصلي الأول، فبدأ الحديث عن إمكانية تحقيق تسوية انطلاقًا من القرار 242، وبناء دولة فلسطينية فوق الأرض المحتلة عام 1967، فكان البرنامج المرحلي الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني بدورته الثانية عشرة في القاهرة في أيار/مايو 1974 وعندها انقسمت الساحة الفلسطينية بين تياري جبهة الرفض (الجبهة الشعبية + الجبهة الشعبية القيادة العامة + جبهة النضال الشعبي الفلسطيني + جبهة التحرير العربية) وجبهة القبول (حركة فتح + منظمة الصاعقة + الجبهة الديمقراطية). وقد وقعت في حينها معارك سياسية ومماحكات نظرية كُبرى بالساحة الفلسطينية بين الاتجاهين المذكورين.
ولكن التحول المفصلي الثاني في الرؤية والنقاشات بشأن مفهوم المرحلية في العمل الوطني الفلسطيني بدأ بُعيد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى، نهاية عام 1987، فتصاعد الجدل الفلسطيني الذي تغذى بانطلاق حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تَحِمل كلًا منهما برنامجًا يدعو لبناء الدولة الفلسطينية على كامل أرض فلسطين التاريخية، انطلاقًا من أن فلسطين (أرض وقف إسلامي لا يحق لأحد، بالتنازل عن شبرٍ منها). حيث أعيد إنتاج النقاش السياسي والنظري بشأن الحل المرحلي كبرنامج للحل التسووي لا بد من تجديده وإطلاقه أمام المجتمع الدولي.
وعليه، يمكن القول بأن ثلاثة نماذج تسووية شكّلت ما يمكن أن نُسميه (برنامج) للحل الفلسطيني، وإن بدت هذه النماذج مُختلفة في الكثير من التفاصيل إلا أنها تتقاطع أيضًا مع بعضها عبر الرؤية البعيدة التي تنادي بأرض فلسطين التاريخية الكاملة (من البحر إلى النهر، ومن رأس الناقورة إلى رفح) وطنًا أبديًّا للشعب العربي الفلسطيني.
والنماذج الثلاثة هي: "حل الدولة الديمقراطية" العلمانية الموحدة على كامل أرض فلسطين بين الجميع وللجميع، وهو ما طرحته حركة فتح في بدايات انطلاقتها عام 1965. وحل الدولة الواحدة والذي طرح أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وحل الدول المستقلة والبرنامج المرحلي الذي طرح عام 1974. وصولًا إلى ما بات يعرف بحل الدولتين. بينما بدأ الحديث عن حل "الدولة الواحدة ثنائية القومية" في السنوات الأخيرة، من قبل بعض المُثقفين الفلسطينيين داخل المناطق المحتلة عام 1948، ومن قبل بعض المثقفين الفلسطينيين في الشتات، ومعهم قطاعات من اليهود من الذين باتوا يُعرفون بــ(المؤرخين) ودعاة ما بعد الصهيونية. مُنطلقين من أن الوقائع تَفرض البحث عن حل عادل يَتمثل بدولة موحدة لشعبين (ونحن هنا نتحفظ على كلمة شعبين، حيث لا تنطبق على اليهود في فلسطين كلمة شعب وإلا فنحن نخالف منطق الأشياء).
وبشكلٍ عام، إن الحديث عن الحل التسووي المَطروح حاليًّا في مسار المفاوضات (المأزومة والمتوقفة أصلًا) بدأ عمليًّا في سياق التطورات التي أعقبت حرب 1973 حين بدأت فصائل من المقاومة الفلسطينية بتبني مفهوم المرحلية، والدعوة لإقامة دولة مستقلة فوق الأرض المحتلة عام 1967. وفي هذا السياق بدأ يتبلور مفهوم حل الدولتين منذ أواخر 1988، وكانت الانتفاضة الفلسطينية في أوجها، فتم طرح مشروع حل الدولتين على أعمال المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر(دورة إعلان الاستقلال 1989)، وهو أمر تَحفظت عليه بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولم تصوّت إلى جانبه سوى حركة فتح ومعها الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقًا)، بينما اتخذت كل من الجبهة الشعبية، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، موقفًا رافضًا للمشروع، وغابت عن أعمال المجلس كل من الجبهة الشعبية/القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة.
وينطلق المُتحفظون على مشروع حل الدولتين من قوى التيار القومي واليساري وحتى من قبل البعض داخل حركة فتح من واقع أن هذا الحل يعني التنازل عن أكثر من (80%) من فلسطين التاريخية، وشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أو قذفه للمجهول بأحسن الأحوال.
ومع هذا وذاك، أن كل ما هو مطروح ومع كل الملاحظات التي يبديها البعض تجاه هذا الرأي أو ذاك، يتصادم عمليًّا مع مشروع التسوية "الإسرائيلية"، حيث لاءات الإجماع الصهيوني، التي تقول لا لحق العودة، ولا لعودة أي لاجئ فلسطيني، ولا للسيادة الفلسطينية على كامل الأرض المحتلة عام 1967، ولا لتفكيك المستعمرات المقامة في الضفة الغربية والقدس الشرقية ..الخ. فهل بقي لعملية التسوية من سكة لتسير عليها...؟