[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]”إننا في العراق وفي بلدان عربية أخرى لسنا بحاجة إلى اتفاقات وبروتوكولات جديدة من أجل صياغة عقود عمل مشتركة تنهي القضايا المعلقة بيننا، بل بحاجة ماسة فعلًا إلى أن ننتبه لحالنا، ونعتمد منهجًا للتفتيش عن هذه الحلول في إعادة قراءة نصوص منسية، ومن الحتمي أن نعثر عليها لإعادة توظيفها.”
(من يقرأ؟ من يكتب؟) الأصل في هذا السؤال الذي جاء بصيغة النفي يعود إلى خرافة تفيد بأن مجموعة من الثعالب اقترحت على كلاب إحدى القرى عقد (بروتوكول) للتفاهم في تقاسم طعام القرية؛ لأن ذلك يحقق (العدالة) بين الجانبين ويقطع الطريق على تمترس العداوة، وبعد مفاوضات مضنية وافقت الكلاب على نص البروتوكول وحدد يوم ما لتنفيذه، ولكن بعد ساعات من التنفيذ استكثرت الكلاب على الثعالب أن تتقاسم معها الطعام، وأخذت تطاردها عندما اقتربت من القرية لتنال حصتها منه فولت هاربة، وفي أثناء الهروب صاح أحد الثعالب: لماذا لا نطالبهم بقراءة نص البروتوكول المعقود بيننا؟ فرد عليه زعيم الثعالب (من يقرأ؟ من يكتب؟).
إن الواقع المعاش عربيًّا يسفر يوميًّا عن الكثير ما يشابه هذا النفي إذا أخذنا بعين القراءة كم هي الاتفاقات الثنائية وغير الثنائية التي عقدت من أجل وجود آلية لعمل عربي مشترك يضع بالاعتبار التهديدات الخارجية التي تواجه الوطن العربي، وكم هي التحذيرات التي أطلقت في ضرورة الانتباه إلى المنهج العنصري الإسرائيلي الذي وصل إلى حد مصادرة حقوق الأشجار باعتقال جميل البرغوثي مسؤول لجنة مقاومة الجدار العازل في السلطة الفلسطينية لمجرد أنه شارك مع مجموعة من الفلسطينيين في غرس عدد من أشجار الزيتون، وربما ينطبق السؤال على أكثر من 300 قرار وتوصية دولية بشأن القضية الفلسطينية بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (181) الخاص بالتقسيم، وقد يناظر المعنى أيضًا حزمة قرارات اتخذت على طاولة جامعة الدول العربية من أجل تفعيل العمل العربي المشترك اقتصاديًّا، فتلك القرارات غطاها غبار الخصومات حتى لم يعد أحد يستطيع سحبها من خزائن الجامعة، الأمر الذي حولها وكأنها موجودات في متحف مغلق.
ثم أليس التشابه هو الذي يحكم هذا السؤال مع حالة إهمال تقارير تحذر العرب من مغبة ما ينتظرهم بسبب الجفاف والتغيرات المناخية وما يترتب عليها من شحة حتى في نسبة الرطوبة؟! على الرغم من أن الواجب كان يقتضي أن يعلن العرب عطشهم منذ ربع قرن، ولنا أيضًا أن نتوقف عند التقرير الفضيحة الذي يقول إن 2% فقط من مجموع سكان الدول العربية ما زالوا يواظبون على قراءة ما ينشر من كتب منذ اكتشاف الطباعة وليس على الفيسبوك أو شبكات التواصل الاجتماعي.
الخلاصة لـ(من يقرأ؟ من يكتب؟) أن أوضاعنا العربية ستظل على طريق دفع الكثير من الأثمان الباهظة اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا، وإذا كانت إسرائيل قد أقامت جدارًا عازلًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة لمحاولة إزالة التاريخ وتشويه الجغرافيا وتقطيع أوصال المجتمع الفلسطيني، فإننا في الوطن العربي نملك حواجز لا حصر لها تقطع أوصالنا القومية يوميًّا، وتجعلنا غير قادرين على انتزاع الفرصة للسقوف الواطئة من المواقف المشروعة.
إننا في العراق وفي بلدان عربية أخرى لسنا بحاجة إلى اتفاقات وبروتوكولات جديدة من أجل صياغة عقود عمل مشتركة تنهي القضايا المعلقة بيننا، بل بحاجة ماسة فعلًا إلى أن ننتبه لحالنا ونعتمد منهجًا للتفتيش عن هذه الحلول في إعادة قراءة نصوص منسية، ومن الحتمي أن نعثر عليها لإعادة توظيفها، وبالتالي التأسيس لفرضية الخلاص من الإشكاليات التي نحن فيها.
لن نتعب في العثور على مثل هذه الصياغات، لأننا سنجدها عند ذاكرة الضمائر الحية التي ترى في لغة الحوار والتواصل والتعاون مدخلًا لهذه الحلول، بل إننا سنجدها أيضًا عند حقيقة أن المواربة والغدر والتشفي والتطاحن جميعها أوبئة لا يمكن أن تتكيف مع شيم التعاون والتضامن، وأن الذاكرة الجمعية للرأي العام العربي عمومًا هي في حقيقتها تعبر عن روح السلام والتنمية المشتركة وإدامة الصلة.
لقد رسم الأيرلنديون أولوياتهم عندما قالوا (من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس من أن يكون خلفك كلب غادر)!؟