[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/jawadalbashity.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جواد البشيتي[/author]”في عصر العولمة، ما عاد ممكنًا إقامة سور صيني بين الأمن الداخلي للدول والمجتمعات وبين المصَادِر الخارجية للإرهاب؛ فالإرهاب، برجاله وأدواته ووسائله وفكره..، يَنْفُذ، في يُسْرِ وسهولة، من الثقوب الكثيرة المتكاثرة في جدار العولمة؛ كما أنَّه يستمدُّ مزيدًا من الطاقة من جُمْلَة التشريعات والقوانين الحامية لحقوق وحريات ديمقراطية ومدنية لا يمكن، ولا يجوز، التضحية بها.”
تتركَّز "الطاقة التدميرية والوحشية والإرهابية" لتنظيم "داعش"، وأشباهه، في اجتماع "فكرة التكفير للغالبية العظمى من المسلمين"، و"فكرة الانتحار الجهادي في سبيل الله"، و"سهولة الحصول الفردي على مواد ووسائل القتل والتدمير"، و"سهولة الضَّرْب الإرهابي (أو الضرب الانتحاري الإرهابي)"؛ فـ"الإرهاب الجهادي"، أَزاوَلَه فرد أم مجموعة، أكان مُنَظَّمًا أم عفويًّا تلقائيًّا، يَضْرِب عملًا بمبدأ "إذا لم تستطع الضَّرْب حيث يجب أنْ تَضْرِب، فاضْرِبْ حيث يمكنك أنْ تَضْرِب".
والإرهاب بخصائصه الجوهرية تلك يُقَوِّض وجود "الدولة" بصفة كونها "جهازًا للأمن الداخلي المُركَّز، المُمَرْكَز، المُنَظَّم"؛ فإنَّ ضربة إرهابية كبيرة واحدة في مكان يحتشد فيه، ويتجمَّع، أُناسٌ كُثْر تكفي لإرغام "الدولة" على نشر رجال أمنها، وتوزيع طاقتها الأمنية، على نطاق واسع، فيَكُفُّ "جهاز الأمن (الداخلي)" عن كونه "قوَّة مُركَّزة، مُمَرْكَزة، منظَّمة".
وفي هذا الشكل من الإرهاب يكمن كثيرٌ من المخاطِر والتَّحديات الأمنية التي تُواجِه الدول والحكومات.
إنَّ الدول التي يتهدَّدها الإرهاب لا يمكنها مواجهته والتَّصَدي له إلاَّ من طريق إشراك المجتمع نفسه، وفي طرائق وأساليب شتَّى، في الجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب؛ فشعار "كل مواطِن رَجْل أمن (في الحرب على الإرهاب)" يجب أنْ يُعْمَل به، وأنْ يُتَرْجَم بحقائق واقعة.
في عصر العولمة، ما عاد ممكنًا إقامة سور صيني بين الأمن الداخلي للدول والمجتمعات وبين المصَادِر الخارجية للإرهاب؛ فالإرهاب، برجاله وأدواته ووسائله وفكره..، يَنْفُذ، في يُسْرِ وسهولة، من الثقوب الكثيرة المتكاثرة في جدار العولمة؛ كما أنَّه يستمدُّ مزيدًا من الطاقة من جُمْلَة التشريعات والقوانين الحامية لحقوق وحريات ديمقراطية ومدنية لا يمكن، ولا يجوز، التضحية بها من أجل كَسْب الحرب على الإرهاب؛ وهذا التناقض يتحدَّى، باشتداده وتفاقمه، الدول والحكومات أنْ تُوازِن، وأنْ تعرف كيف تُوازِن، بين طرفية (الحرية والأمن).
حساب قوَّة (ونفوذ) الجماعات الإرهابية، وفي مقدمها "داعش"، يجب أنْ يتخطى "الرياضيات" إلى "المنطق"؛ فإذا كان عدد مقاتلي وأعضاء تنظيم "داعش" لا يتجاوز 30 ألف مقاتل وعضو، فإنَّ عشرات ومئات الآلاف من الناس لديهم القابلية للتَّحوُّل إلى مقاتلين وأعضاء في هذا التنظيم؛ فَلْنُمَيِّز "داعش" الموجود بالفعل من "داعش" الموجود بالقوَّة (أي على شكل إمكان واحتمال).
و"داعش" الموجود بالقوَّة هو مَصْدَر الإمداد البشري لهذا التنظيم؛ ولا بدَّ من بذل جهود ضخمة ومتنوعة لتجفيف هذا المَصْدَر.
ينبغي للدول والحكومات أنْ تعرَّف الدوافع والحوافز الحقيقية لانضمام بعض الشباب إلى "داعش" حتى يصبح في مقدورها إضعاف هذه الدوافع والحوافز؛ وهذه حملة تحتاج إلى تمويل، وإنْ كان التمويل وحده لا يكفي.
يجب رَبْط الشباب، عقلًا وفكرًا وشعورًا وواقعًا ومصلحةً وحاجةً، بكل ما من شأنه جَعْل كلام "داعش" يَقَع على أسماع لا تشبه سمعه.
هذا التنظيم، بفكره وخطابه وشعاره، يجب أنْ يلقى له عَدُوًّا مبينًا في نمط عيش شبابنا؛ فإذا شعر الشاب أنَّ كل ما يُحِبُّ في هذه الحياة قد اختفى ومات فلا بدَّ له عندئذٍ من أنْ يكره حتى نفسه، ومن أنْ يُفَضِّل العدم على الوجه؛ ومن رَحْم هذه السيكولوجيا يُوْلَد مزيد من "داعش" وأشباهه.
على أهمية محاربة الفكر بالفكر (ومقارعة الحجة بالحجة) لا يمكن القضاء على "الإرهاب" بسلاح الفكر وحده؛ فالسؤال الذي يتحدَّانا دائمًا أنْ نجيبه هو: لماذا في زمان ما، وفي مكان ما، وفي ظرف ما، وفي واقع ما، نرى الناس يُقْبِلون على فكرة ما، وينحازون ويتحمَّسون إليها؛ فإذا تغيَّر الزمان والمكان والظرف والواقع انفضوا عنها، وتخلوا، وغدت، في عقولهم ومشاعرهم، فاقِدَةً الجاذبية والتأثير؟ إنَّ الأفكار والعقائد لا تُلْغى؛ وإنَّما يُبْطَل تأثيرها بجعلها متصادمة مع مصالح وحاجات الناس الواقعية.
"داعش" ليس بفكر غريب عن كثير من النصوص في الفكر الإسلامي؛ فإنَّ في إمكان كل باحث موضوعي وجاد أنْ يأتي بألف دليل ودليل على صدقية هذا الحُكْم؛ ولقد أثبتت التجربة أنَّ فكر "داعش"، وأشباهه، لا يُحارَب، ولا يُغْلَب، بأفكار بعض المفكرين الإسلاميين.
وإذا أردتم معرفة "الفَرْق" بين فكر "داعش" وفكر بعض محاربيه من الإسلاميين، فاقرأوا الآتي: داعش" يُعامِل الغالبية العظمى من المسلمين على أنَّهم "مُرْتدُّون"، فيُخاطبهم قائلًا: "جئناكم بالذَّبْح".. ويَشْرَع يقطع الرؤوس ويحرق البشر وهم أحياء.
وبعض محاربيه من الإسلاميين يدعو إلى "قَتْل، وصَلْب، وتقطيع أيدي وأرجل إرهابيي التنظيم (أي تنظيم "داعش")!