”إن أوكرانيا في وضع أفضل للاستفادة من الأسلحة الأميركية من بعض اللاعبين الآخرين، حيث إن أوكرانيا دولة ذات سيادة ولديها جيشها حتى لو لم يكن يضاهي جيش الروس. لكن من غير البادي أن أوكرانيا برغم الموارد العسكرية الأميركية تستطيع أن تغير بشكل جوهري حسابات الروس الاستراتيجية وردع بوتين من توغلاته.”

ثمة سؤال يطرح نفسه عما إذا كان يتوجب على الولايات المتحدة تسليح أوكرانيا في حربها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقبل أن تتعجب من طرح هذا السؤال تذكر أن شحنات الأسلحة وحدها لا تكفي أبدا لتمكين طرف أصغر حجما وأضعف قوة على هزيمة قوة كانت عظمى يوما ما. فإذا ما ألزمت الولايات المتحدة نفسها بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا فإنها ستكون كمن يوقع على أكثر من مجرد مساعدات عسكرية، بمعنى أنه عندما تحتاج أوكرانيا لمساعدة أكبر ستكون مصداقية الولايات المتحدة على المحك، وستتزايد الضغوط التي ربما تصل إلى نقطة تقديم الدعم الجوي.
ظاهريا، قد يبدو هذا التحليل متطرفا، فلا أحد في الطيف السياسي الأميركي يعتقد في وجوب استعداد الولايات المتحدة لخوض حرب جوية مع روسيا. وكون هذه الفكرة أبعد من الخيال سببا لتخيل السيناريوهات المختلفة المصاحبة لإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.
ولتكن البداية مع السؤال الجوهري الخاص بما إذا كانت شحنات الأسلحة وحدها قادرة على تمكين أوكرانيا من مواجهة الانتهاكات العسكرية الروسية، وإجابة مثل هذا السؤال تكمن في طرح سؤال آخر هو: هل تظن أن هناك أمثلة على أن الأسلحة وحدها كانت كافية لطرف أضعف لدرء هجمات جارٍ أقوى بكثير؟
خلال الحرب الباردة كانت شحنات هذه الأسلحة أمرا شائعا، واستخدمه كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كأداة لاحتواء الآخر ولتوسيع مجال النفوذ المشترك، بيد أن الأغلب الأعم أن هذه الأسلحة لم تكن كافية لحسم الصراعات، سواء في أميركا الوسطى في جواتيمالا والسلفادور ونيكاراجوا أو في شمال شرق وجنوب شرق آسيا في كوريا الجنوبية وفيتنام. ولعل أبرز الأمثلة التي تدل على أن الأسلحة وحدها كافية على الحسم هو النموذج الأفغاني حيث الدعم العسكري الأميركي للمجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفيتي.
ومنذ نهاية الحرب الباردة لم تغب قيود سياسة السلاح وحده؛ إذ إن الثوار الليبيين لم يتمكنوا من هزيمة معمر القذافي إلا بعدما قدم الغرب دعما جويا، بل إنه رغم تلقي المقاتلين السوريين أسلحة من البداية ودعما جويا إلا أنهم لم ينجحوا في هزيمة بشار الأسد.
إن أوكرانيا في وضع أفضل للاستفادة من الأسلحة الأميركية من بعض اللاعبين الآخرين، حيث إن أوكرانيا دولة ذات سيادة ولديها جيشها حتى لو لم يكن يضاهي جيش الروس. لكن من غير البادي أن أوكرانيا برغم الموارد العسكرية الأميركية تستطيع أن تغير بشكل جوهري حسابات الروس الاستراتيجية وردع بوتين من توغلاته. ورغم ما يعانيه الاقتصاد الروسي من تراجع أسعار النفط بشكل حاد والعقوبات الأوروبية إلا أنه من الصعب رؤية بوتين، وهو يظهر علامات ضعف وتراجع فقط لأن ترسانة الأسلحة الأوكرانية أخذت تكبر.
هذا يدعونا للتساؤل عما قد يحدث إذا استمرت خسائر أوكرانيا المتسلحة أميركيا أمام روسيا. في الوقت الراهن تدفع الولايات المتحدة ثمنا بسيطا مقابل مكاسب بوتين، وذلك في تآكل مصداقيتها مع اللاعبين الإقليميين أو العالميين الذين يعتقدون أنهم حصلوا على ضمانات أمنية أميركية مماثلة لتلك التي حصلت عليها أوكرانيا في مذكرة بودابست عام 1994. لكن إذا قامت الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا بشكل فعال وظهرت عدم فاعلية هذا الدعم فستتصاعد تكاليف الفشل الأميركي، وسيعتبر الرئيس أوباما فشل في تحقيق توازن القوة في أوروبا الوسطى، وهو ما يضعف الهيبة والقدرات الأميركية مثلما ضعفت الولايات المتحدة بفشلها حتى الآن في القضاء على حركة "داعش".
وفي ظل ظروف الفشل المستمر سواء للرئيس أوباما أو الرئيس الأميركي القادم فسيقع تحت ضغط لتقديم مساعدات أخرى إلى أوكرانيا التي في حال فشلها سيتبعها تقديم دعم جوي.
إن احتمال نشوب حرب مباشرة ضد القوات الروسية سيكون غير مقبول على أقل تقدير. لكن هيبة الولايات المتحدة ستكون على المحك وسيقول الصقور إن السلبية استسلام وسيخيم شبح نيفيل شامبرلين مجددا.
إن احتمالية أن تؤدي شحنات الأسلحة إلى تصعيد عسكري أكبر ليست سببا حاسما لعدم الوقوف في وجه بوتين بالطبع. وربما كان انتهاك روسيا لأوكرانيا اختبارا واضحا للقوة الأميركية في حقبة الحرب الباردة، وهي الحالة التي تبدو فيها المقاومة القوية أمرا حاسما. إن الأهم هو أن تكون أمينا ومدركا تماما إلى أي طريق ستؤدي شحنات الأسلحة وعدم انتظار بأن ثمة طريقا رخيصا وسهلا لمواجهة قوة عدوانية توسعية.

نواه فيلدمان
أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة هارفارد
وكاتب عمود بموقع بلومبيرج فيو ـ خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز ـ خاص بـ"الوطن"